بينما كان الفتى وسام صالح (15 عاما) يصطف في طابور أمام مخبز "عجور" الواقع في حي الشيخ رضوان، ينتظر لحظة دخوله عتبات المخبز لشراء "ربطة خبز" لعائلته، في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
لم يمض سوى 15 دقيقة بين وصول "وسام" إلى المخبز، حتى اسقطت طائرة حربية إسرائيلية غادرة صاروخ من عيار "F 16"، على المنزل المقابل للمخبز، حتى عمت حالة من الفزع بين المواطنين الذين يقفون أمام "المخبز" والذين تزيد اعدادهم عن ال 50 مواطنا.
أقل من دقيقة حتى باغتت ذات الطائرة نفس المنزل بصاروخ آخر، فزادت حالة الخوف بين المواطنين ولم يعد يرى منهم الآخر بفعل ألسنة الدخان والغبار التي تصاعدت من جهة والحجارة التي تناثرت عليهم.
في تلك اللحظات تطاير زجاج المخبز على المواطنين الذين أخذوا يهرولون كل واحد في اتجاه يختلف عن الآخر، كما يروي "جبر" لمراسل صحيفة "فلسطين".
شهية ذلك المحتل المجرم لم تتوقف عند هذا الحد، بل قصفت طائراته العنصرية المنزل المقابل للمنزل الذي أصبح كومة حجارة، بصاروخين آخرين، حينها انهار أحد جدران "المخبز"، وفق ما يقول "جبر".
"جثامين شهداء تناثرت هنا وهناك، ومصابون آخرون ملقون على الأرض، وألسنة الدخان التي تصاعدت في نفس المكان(...) مشهد مخيف كتير"، هكذا يصف وسام اللحظات الأولى لقصف المخبز.
وقد استقرت إحدى شظايا الصواريخ المتطايرة في قدم "وسام" اليسرى أثناء محاولته الهروب إلى مكان آمن، وفق ما يروي، حيث وصفت إصابته بالمتوسطة، ثم يكمل "لم أكن أشعر أنني مصاب من شدة هول المشهد".
كان يرافقه صديقه "محمد عيسى"، لكن صواريخ الاحتلال فرقتهم عن بعضهم في اللحظات الأولى، فأخذ كل منهم يبحث عن الآخر، وبعد أن ذهبت ألسنة الغبار التقيا في مدرسة مجاورة لمكان القصف تضم "نقطة طبية" للإسعافات الأولية.
وبعد تلك اللحظات العصيبة كما يصفها "عيسى"، بدأ يتفقد نفسه ليجد بعض الشظايا الصغيرة المتناثرة في مختلف أنحاء جسده، لكن دون إحداث إصابات بليغة، يلتقط أنفاسه ثم يقول "الحمدلله الذي نجانا من موت محقق".
ويضيف لمراسل "فلسطين": "لا يمكن لي أصف هولا المشهد الذي حدث أمامي(...) هي كارثة بكل ما تعنيه الكلمة".
بصوت مرتجف يرافقه الخوف والقلق يحكي "أول مرة في حياتي أشوف أشلاء مواطنين على الأرض، ومصابين من مختلف مناطق أجسادهم"، يصمت قليلا يلتقط أنفاسه ثم يعاود القول "هذه المشاهد ما بقدر أنساها طيلة عمري".
ويتابع أن عشرات سيارات الإسعاف تجمعت في المكان وبالكاد تستطيع نقل الجثامين والجرحى من كثرتهم، مناشدا كل الضمائر الحية بوقف هذا العدوان الهمجي الذي لم يفرق بين الطفل والشيخ والحجر.
لم يختلف المشهد كثيرا لدى الجريح عبد ضبين (32 عاما)، الذي يقطن في منطقة الأمن العام شمال مدينة غزة، حيث نزح من بيته إلى مجمع الشفاء الطبي منذ الأيام الأولى للعدوان الإسرائيلي على القطاع.
وبعد مرور بضعة أيام، عاد "ضبان" يتفقد منزله، لكن لم يكن يعلم أن طائرات حربية إسرائيلية كانت تحوم في سماء تلك المنطقة، فبعد وصوله بلحظات ألقت مقاتلة حربية من نوع (F16) صاروخا ثقيلا على إحدى الشقق السكنية في تلك المنطقة.
حالة من الخوف والذعر أصابت "ضبان" الذي حاول الهروب بحثا عن منطقة آمنة، لتغير الطائرة ذاتها بصاروخ آخر، على نفس الهدف، حسبما يروي لمراسل صحيفة "فلسطين"، وهنا كانت الفاجعة بالنسبة له.
إحدى الشظايا المتطايرة أصابت "ضبان" في قدمه اليسرى من الخلف خلال هروبه، ارتطم على إثرها في الأرض ولم يجد سبيل سوى محاولة الزحف على الأرض مستعينا بيديه، والدماء تسيل من قدمه التي باتت "جوفاء" بلا أعضاء، حسب وصفه.
"حالة من الخوف والذعر أصابتني من شدة هول المشهد، من صوت الانفجار الشديد وكمية الغبار التي تصاعدت بفعل القصف"، هكذا يصف "ضبان" لحظات القصف التي عاشها.
ويحكي أنه استمر بالزحف أرض حتى استطاع الوصول لمنطقة تبعد عدة أمتار عن القصف، واستنجد بإحدى سيارات المواطنين التي كانت تسير على الطريق، وجرى نقله إلى مجمع الشفاء الطبي.
ولا يزال يرقد "ضبان" على أسرة مجمع الشفاء الطبي، ينتظر لحظة إجراء عملية جراحية صعبة في قدمه تعيد له الأمل والحياة.
ولا تزل معركة "طوفان الأقصى" التي أعلنها القائد العام لكتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس محمد الضيف مستمرة لليوم السادس عشر على التوالي، ردا على جرائم الاحتلال بحق الفلسطينيين واقتحاماته المتكررة للمسجد الأقصى، فيما أعلن جيش الاحتلال بدء عملية "سيوف حديدية" ضد قطاع غزة.
وارتقى خلال هذا العدوان المستمر أكثر من 4 آلاف شهيد وأصيب أكثر من 13 ألف مواطن آخرين، فيما هدم الاحتلال 5500 مبنى سكنيا بشكل كلي، تضم 14200 وحدة سكنية، وفق التحديث اليومي للمكتب الإعلامي الحكومي.