يؤكّد كتاب إسرائيلي جديد عن جماعات الإرهاب الجديدة الناشطة في أوساط المستوطنين في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ 1967، الذين تطلق عليهم تسميات عدّة، أبرزها "شبيبة التلال" و"جماعات تدفيع الثمن"، أن أكثر ما يحرّك أعضاءها نزعاتٌ وميولٌ فردية، بخلاف أفراد نُسخ سابقة منها كانوا يأتمرون أساسًا بتعاليم حاخامين.
والخلاصة التي يصل إليها تفيد بأنه إذا كان في إمكان مؤسّسات أو قيادات سياسية أو أمنية إسرائيلية أن تؤثر في الماضي بالحاخامين، بما يفضي إلى دفعهم نحو الحدّ من إرهاب تلك الجماعات من طريق إدانته أو التحفّظ منه علنًا، ففي الحاضر يفعل هؤلاء الإرهابيون كل ما يحلو لهم فعله، من دون أي قيود، وطبعًا بلا ضمير، وهذا يقتضي عدم التوقّف عند اللحظة الراهنة واستشراف ما سيعقبها.
وفقًا لهذا الكتاب، بدأ عام 2013 ظهور جيل جديد من المستوطنين الإرهابيين في أراضي 1967 لا يمتثل لتعليمات الحاخامين في ما يتعلق بالصراع من أجل "أرض إسرائيل". وفي ضوء ذلك، بالرغم من تحفّظ بعض هؤلاء الحاخامين، بمن في ذلك المتطرفون منهم، من عمليات "تدفيع الثمن" استمرّ ارتكابها، وبلغت ذروتها في إحراق مستوطن يوم 31 يوليو/ تموز 2015 منزل عائلة دوابشة في قرية دوما بمحافظة نابلس، ما أدى إلى استشهاد ثلاثة من أفراد العائلة الأربعة. وهكذا برز خطاب مضادّ حتى لفتاوى بعض المرجعيات الدينية.
يركّز هذا الخطاب على أهمية الحفاظ على "أرض إسرائيل الكاملة"، ما مهّد الأساس لظهور الإرهاب الجديد الصاعد، الذي يستند، من بين أمور أخرى، إلى مبدأ "البقاء للأقوى"، ولتشييد صيغة نظرية مغايرة لإدارة الحرب ضد الفلسطينيين وأراضيهم وممتلكاتهم.
اقرأ أيضًا: لماذا تتكرر اعتداءات المستوطنين؟
اقرأ أيضًا: أمن وجيش الاحتلال في عين عاصفة المستوطنين
بطبيعة الحال، يخوض الكتاب أيضاً في الأسباب وراء ذلك، وفي مقدّمها خيبة أمل هذا الجيل الجديد من جيل المستوطنين السابق وقياداته، التي أخفقت برأيه في كبح ما تُعرف باسم "خطّة الانفصال عن قطاع غزة وشمال الضفة الغربية" التي نفذتها الحكومة الإسرائيلية برئاسة أرييل شارون عام 2005، وسبّبت تفكيك المستوطنات في قطاع غزة، وكذلك أربع مستوطنات في شمال الضفة.
ويشدّد الكتاب، استنادًا إلى وقائع جمعها المؤلف من أبناء هذا الجيل من المستوطنين ومن ملفات المؤسّسة الأمنية الإسرائيلية، أن الإرهابيين الجدد يشعرون بالانسلاخ عن الدولة، ويوجّه معظمهم انتقادات شديدة إلى أداء مجلس المستوطنات والحاخامين خلال فترة الانسحاب من قطاع غزّة، ويؤكّدون أنهم فقدوا الثقة بهم. كذلك شدّدوا على أنهم مستعدّون لتكرار ما ارتكبوه ومخالفة أي قانونٍ لا يتماشى مع أفكارهم.
وأوحى هذا الكتاب لبعضهم بإجراء مقارنة بين هذا الإرهاب اليهودي الجديد والإرهاب اليهودي قبل إقامة دولة الاحتلال عام 1948. وتوصّلت هذه المقارنة إلى عدة نتائج، أبرزها نتيجة مؤدّاها أنه إذا كان هذا الإرهاب أخيرًا بمثابة وسيلة لطرد الانتداب البريطاني وإقامة دولة قومية يهودية في فلسطين، فإن الإرهاب الجديد في أراضي 1967 يُعدّ أداة لإقامة دولة شريعة وإسقاط الحكومة المنتخبة. كذلك ثمّة فارق جوهري آخر، وهو أن لهذا الإرهاب الجديد، وربما خلافًا لما كانت عليه الحال إبّان فترة الانتداب البريطاني، مندوبين في أرفع المستويات السياسية الإسرائيلية، ويحمل هؤلاء المندوبون الرؤية نفسها، ويحمون الإرهابيين، وغالبًا يشجّعون ممارساتهم. وفي هذه النتيجة ما يؤكّد سياق هذا الإرهاب الإسرائيلي حيال الفلسطينيين، وكونه قاعدة السياسة الصهيونية العامة لا الاستثناء.
ودائمًا تظلّ في الخلفية حقيقة لا يجوز عدم استحضارها، أن من أبرز مظاهر تفاقم تطرّف السياسة الإسرائيلية خلال الأعوام الأخيرة سنّ قانون القومية الإسرائيلي الذي قيل فيه الكثير، ومنه أنه رسّخ المواطنة على الدين، وبه تحوّلت (إسرائيل) إلى دولة شعبٍ مُحدّد بتعابير دينية. ومع أن هذا القانون موجّه بالأساس ضد الفلسطينيين، فإن فيه جانبًا يتعلق بالسكان اليهود أيضًا، نظرًا إلى أن الدولة تمنح جناحًا واحدًا من هذا الشعب المحدّد بتعابير دينية، جناح اليهود الأرثوذكس، الحقّ في السيطرة على تصنيف الانتماء الديني.