عندما قرر مصعب ترك عادة التدخين "السيئة"، وضع خطة لأجل الوصول إلى هدفه، لكن الأمر لم يكن سهلًا، ليجد نفسه يراوح مكانه دون التحرك خطوة للأمام.
يقول الشاب العشريني: "أصبت بالإحباط لعدم تمكني من تخفيف عدد السجائر التي أدخنها يوميًّا، لم أكن أتخيل أن الأمر صعب إلى هذه الدرجة، وعدم تمكنِّي من إتمام الفكرة يؤثر عليَّ نفسيًّا، ولا أعرف كيف يمكنني التفكير بخوض التجربة مرة أخرى".
أما منال وهي شابة على أعتاب الثلاثين من عمرها، فتشعر أنها باتت في حالة ميؤوس منها، محبطة ومكتئبة بعد أن خاضت عدة مرات في برامج صحية لإنقاص الوزن، "وكل مرة لا أصل إلى ما أخطط إليه رغم الحرمان الغذائي، يصدمها الميزان بحالة شبه ثابتة لوزنها".
وتوضح أن تلك الحميات الغذائية التي تطبقها لا تستفيد منها إلا في تدمير نفسها عبر أنماط سلوكية متكررة بسبب عدم نجاحها.
سلوكيات تدميرية
ففي مسعى البحث عن النجاة من أعباء الحياة ومتاهاتها، يلجأ البعض إلى سلوكيات ضارة قد تضر بحياتهم وصحتهم النفسية، وتعد تجارب القضاء على هذه العادات المدمرة أمرًا ليس سهلًا، ولكنه ضروري لضمان الاستقرار، كما يؤكد الاختصاصي النفسي زهير ملاخة.
ويوضح أن الشخص يجد نفسه محاصرًا بنمط حياتي متكرر، يؤثر عليه سلوكيًّا وعاطفيًّا، فالبعض مثلًا قد يمر بعلاقات عاطفية سيئة وتنتهي، ويفشل الآخر في المحاولات الوصول إلى هدف معين كإيقاف التدخين، أو عادات سيئة نسعى للتخلص منها بصمت.
ويبين ملاخة أن تدمير الذات يعني ببساطة أن تعمل على تقييد نفسك، تحجب مستقبلها المشرق بالتحديد، وتجبرها على الاستمرار في البقاء محصورة في ماضيها، ويمكن أن تظهر هذه السلوكيات التدميرية في مجموعة متنوعة من المجالات، سواء كانت ذلك في العلاقات العاطفية، أو السعي للوظيفة المثالية، أو تحقيق الأهداف الصحية والرياضية.
وتتضمن أمثلة ذلك العجز عن التخلص من علاقة سامة، أو تأجيل التقدم المهني، أو تجميد تطلعاتك وأحلامك، أو الفشل المتكرر في التحسين الذاتي.
ويبين ملاخة أن الاعتماد على التفكير السلبي وسوء نظرة الشخص للأمور يمكن أن تسحب الشخص إلى دوامة من الاكتئاب والقلق، "لذا لا بد من البدء بتغيير المفاهيم مع محاولة التركيز على الجوانب الإيجابية والفرص التي تحملها".
ويلفت إلى أن المماطلة من أكثر الطرق شهرة لتدمير الذات خاصة في ظل وجود فرص التشتيت، إذ يتحجج البعض بأنه أكثر إنجازًا تحت الضغط، وما هذا إلا أسلوب لتبرير فكرة التسويف، وبالتالي فإن إنجاز المهمة قبل موعد التسليم يجرد الشخص من فرص تطوير النفس والمهارات، ويؤدي إلى الشعور بالضغط والإحباط، فلا بد من البدء بتطوير مهارات إدارة الوقت وتحديد أهداف ومهام يومية.
ويقول ملاخة: "يسعى البعض نحو الكمال في الإنجاز بصورة مفصلة وبطريقة غير مرنة لا ترضخ لواقع الحياة، وفي حال خرجت الأمور عن سيطرته وخالفت خطته قد يعزف عن إتمامه من أساسه. كما أن البعض يرهق نفسه بالإفراط في التفكير، فيبحث ويحلل ولا يضع الأمور في سياقها المنطقي، بل يخلق افتراضات سلبية ويتصرف بناء عليها، فيقف ذلك التحليل العميق أمام الشخص ذاته مما يؤدي به للتقليل من قيمته، ويُضعف ثقته بنفسه؛ لكون استنتاجاته للأمور سلبية".
ويلفت إلى أن بعض الأشخاص قد يغلقوا على أنفسهم أبواب العالم أمام هذه الحالة، ويعيشون في عزلة تامة واكتئاب، "وهنا عليهم التواصل مع الأصدقاء والأهل، والبحث عن دعم نفسي محترف، يمكن أن يساعد على الخروج من هذه الحالة".
بناء عادة جديدة
من جانبه، يقول آرت ماركمان، أستاذ علم النفس بجامعة تكساس، في مقال له على موقع "فاست كومباني" :"العادات القوية تمكنك من إنجاز ما تريد القيام به بسرعة. أما عندما تريد التوقف عن عادة ما فقد يكون من الصعب التخلص منها خصوصًا أنه لا يمكنك منع نفسك من استرجاع الفعل الذي تقوم به من الذاكرة. لذلك، سيستمر نظام العادات لديك في تذكيرك بتنفيذ الإجراء غير المرغوب فيه".
ووفقًا لكتابه "التغير الذكي"، يقول ماركمان إنه لا يمكنك التخلص من عادة من خلال محاولة منع نفسك من أداء هذه العادة وحسب، لأن أنظمة الدماغ تتطلب كثيرًا من الجهد لإيقاف السلوك غير المرغوب، وحتى عندما تنجح في منع نفسك من أداء سلوك ما، سيستمر نظام عاداتك في اقتراح أن تقوم بهذا الإجراء لاحقًا.
وينصح ماركمان بالعديد من الأشياء التي يجب القيام بها لتغيير السلوك، منها: البحث عن بدائل سلوكية تفضل القيام بها، وتغيير بيئتك لجعل السلوكيات غير المرغوب فيها صعبة قدر الإمكان، والحصول على دعم الآخرين فمشاركة النصائح والحيل تعد طريقة رائعة لتحسين إستراتيجيات تغيير سلوكك، والتذكير العقلي الذاتي حث عقلك على الاستمرار في إخبار جسمك في كثير من الأحيان بعدم ارتكاب مثل هذه الأخطاء، والابتعاد عن المحفزات والمثيرات التي تدفعك للعودة للسلوكيات السيئة، وأخيرًا وضع خطة للفشل في حال الانزلاق عن الطريق بالعودة إليه مجددًا.