شهدت مطلع أكتوبر عام 2009 على إرغام المقاومة الفلسطينية للاحتلال الإسرائيلي، على الإفراج عن 18 أسيرة من الضفة الغربية، وأسيرة وطفلها من قطاع غزة، مقابل شريط فيديو يُظهر الجندي الأسير في قطاع غزة جلعاد شاليط حياً وبصحة جيدة.
ويوافق اليوم الذكرى الرابعة عشرة لإتمام المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها كتائب القسام لصفقة الحرائر والتي كانت مقدمةً لإتمام صفقة وفاء الأحرار التي حررت خلالها المقاومة 1027 أسيراً جُلهم من أصحاب الأحكام العالية والمؤبدات.
رسمت حركة حماس خلال هذه الصفقة والتي عُرفت أيضا بصفقة "شريط شاليط"، ملامح الصفقة القادمة، حين أصرت على أن يدفع الاحتلال ثمن أي معلومة يمكن الحصول عليها، وأن تحرير الأسرى أولوية لا يمكن التراجع عنها.
شاليط!
وكانت فصائل المقاومة الفلسطينية، أسرت الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط من داخل دبابته خلال عملية الوهم المتبدد في حزيران 2006، ورفضت حكومة الاحتلال في حينه، الخضوع لشروط المقاومة لمبادلة شاليط مع أسرى فلسطينيين، مستنداً على قدرته الاستخباراتية والعسكرية الفائقة في استعادة الجندي الأسير في غزة دون ثمن.
ومن أجل الاحتفاظ بالجندي وإتمام الصفقة، بذلت حركة "حماس" الغالي والنفيس من دماء قادتها ورجالها وأبناء الشعب الفلسطين، فمنذ عملية الأسر، فرض العدو الصهيوني حصارًا قاسيًا على قطاع غزة ليعزله عن العالم الخارجي، وشن عمليتين عسكريتين ضد القطاع في يونيو ونوفمبر عام 2006، أسماهما "أمطار الصيف"، و"غيوم الخريف"، وأعلن رئيس حكومة الاحتلال آنذاك إيهود أولمرت أن الهدف الرئيس منهما هو إعادة الجندي شاليط.
اقرأ أيضاً: تقرير "الوهم المتبدد".. 17 عامًا على عملية أسر الجندي "شاليط"
فشل الاحتلال في استعادة شاليط في العمليتين، فشنّ عدوانًا شاملًا وكبيرًا ضد قطاع غزة عام 2008-2009م، فقصفت أكثر من 80 طائرة حربية صهيونية كل المواقع الأمنية والمؤسسات الحكومية والبنية التحتية لقطاع غزة، فيما شرع العدو بتوغل بري بعد عدة أيام من العدوان.
كل محاولات الاحتلال للوصول إلى الجندي الصهيوني الأسير في غزة جلعاد شاليط فشلت رغم استخدامه أساليب استخباراتية وعسكرية متطورة، وأمام الفشل المتلاحق وجد الاحتلال نفسه مرغماً على التفاوض مع المقاومة والخضوع لشروطها.
واجب وطني
وفي تصريحات لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية أكد أن حركة حماس سعت جاهدةً خلال إعداد قائمة الأسيرات إلى عدم التفريق بين الأسيرات وانتماءاتهن السياسية، مشدداً على أن الإفراج عن جميع الأسرى واجبٌ وطني.
وتعليقاً على اهتمام العالم بفيديو الجندي الأسير شاليط الذي ظهر متماسكا يتحدث إلى الكاميرا باتزان ويحمل عدد ذلك اليوم من جريدة فلسطين اليومية، قال هنية "إننا نوجه رسالة للمجتمع الدولي ونقول إنه ما زال هناك آلاف الأسرى والأسيرات الفلسطينيين في سجون الاحتلال، والغريب أن العالم كله مهتم بجندي إسرائيلي واحد".
من جانبه، أوضح الناطق باسم كتائب الشهيد عز الدين القسام أبو عبيدة في مؤتمر صحفي للإعلان عن صفقة الحرائر في 30 سبتمبر عام 2009م، أن المقاومة راعت عدة معايير في أسماء الأسيرات المفرج عنهن، لتعبر هذه القائمة عن الوحدة الوطنية والجغرافية للوطن.
وأشار إلى أن أربع أسيرات فقط ينتمين لحركة حماس، بينما تنتمي 5 أسيرات لحركة فتح، و7 مستقلات، وأسيرة واحدة من الجبهة الشعبية، و3 أسيرات من الجهاد الإسلامي، وجغرافياً: 3 من الخليل، و8 من نابلس، و4 من رام الله، و3 من بيت لحم، وأسيرة واحدة من جنين، وأسيرة واحدة وطفلها من غزة.
معالم التفاوض
مثّلت صفقة الحرائر المؤشر الحقيقي على اقتراب إتمام صفقة وفاء الأحرار، وقد تمت بعد عامين فقط، ودفع فيها الاحتلال لقاء حرية جنديه الأسير أثمانا مضاعفة، ورسمت الصفقة معالم طريق التفاوض، أبرزها أن الجندي الصهيوني الأسير لن يذوق طعم الحرية مجانا، ولا يمكن لكل أساليب الاحتلال العدوانية والاستخباراتية أن تفرج عنه، بل الطريق إلى ذلك هو الخضوع لشروط المقاومة والإفراج عن الأسرى الفلسطينيين.
وأثبتت الصفقة حرص حركة حماس الشديد وتصميمها بالأفعال لا بالكلمات على تحرير جميع الأسرى من سجون الاحتلال، وأنها تعمل من أجل حريتهم ليل نهار، وتبذل في سبيل ذلك أعظم التضحيات.
وتُحكم كتائب القسام اليوم قبضتها على 4 جنود أسرى، يُهمل الاحتلال التفاوض بشأنهم، علّه يقلل من الأثمان التي سوف يدفعها، لكن التجارب تثبت صلابة المفاوض المقاوم، وأنه لن يكون أمام الاحتلال إلا الخضوع لشروط المقاومة والإفراج عن أسرانا الأبطال.