فلسطين أون لاين

"يا ليتني مثله".. كيف تتفادى الوقوع في "فخ" المقارنات الاجتماعية؟

...
"يا ليتني مثله".. كيف تتفادى الوقوع في "فخ" المقارنات الاجتماعية؟
غزة/ مريم الشوبكي:

حولت الغيرة والمقارنات السلبية حياة "نور" إلى جحيم، وأضاعت سنواتها دون الاستمتاع بها، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل أصابتها بمشاكل نفسية وشخصية واجتماعية أيضًا.

تعود "نور" بذاكرتها إلى طفولتها والتي أصّلت فيها هذا الطبع حينما كانت والدتها تقارنها دائمًا بقريباتها سواء من حيث المظهر أو المعدل الدراسي أو الطباع، حتى باتت المقارنات طبعٌ جنى على حياتها الأسرية مع زوجها لاحقًا.

تقول نور (30 عامًا) لـ"فلسطين": "تحولت المقارنة إلى غيرة عمياء صرت أغار من أبسط الأمور، ودائمًا ما كنت أشتري أغلى الملابس رغم أن حالتنا المادية متوسطة، ولكن كل همي أن أجاري صديقاتي، تخرجتُ وتزوجتُ وكنت سعيدة أنني سبقت صديقاتي بالزواج وشعرت بالانتصار، ولكن حينما أنظر إلى صور العمل والنزهات أشعر بالندم والحسرة. تحولت إلى سيدة تعيسة بائسة".

تتابع: "صرت أفتعل المشاكل مع زوجي، وأطالبه بأن يفعل لي ما يفعله زوج فلانة، وأن يحضر لي هدية كما فعل زوج صديقة أخرى، حتى احتدت الخلافات بيننا، وأصبحت غير قادرة على التحكم بنفسي".

وتردف نور: "أصبحتُ في الثلاثين من عمري ولم أنجز أي شيء أريده، حياتي حزينة، حتى شعر زوجي بخطورة ما أمر به، فطلب مني الذهاب برفقته لاختصاصي نفسي، وبالفعل ذهبت وأدركت أنها ليست مشكلتي لوحدي، وإنما هناك كثر غارقون في بئر الغيرة والمقارنة".

وتبين أن "أول خطوة اتخذتُها كانت إغلاق حساباتي على منصات التواصل الاجتماعي، وركزتُ في حياتي فقط وما حققتُه وما أريد تحقيقه، وأدركتُ أن هناك من يتمنون حياتي، وزوجي، وشكلي، وابني وقررت المقارنة بين حياتي السابقة والقادمة ومحاولة تحسينها".

أما "ماريا" وهي أم تبلغ من العمر 39 عامًا، فقد قررتْ إلغاء متابعة صفحات المشاهير الذين يعرضون حياة الرفاهية والمثالية التي لا يستوعبها عقل، وذلك لتخفيف الضغط عن نفسها، ولتخرج من فخ المقارنات الاجتماعية التي عززتها منصات التواصل الاجتماعي.

تقول ماريا لـ"فلسطين": "عندما أدخل إلى منصات التواصل أشعر بأنني أتعس زوجة على الإطلاق، فبيتي لا يبدو مثاليًا، وأنيقًا كبويتهم. كما أن غرف أطفالي لا تبدو مرتبة ومنظمة طوال الوقت، وليس لدي القدرة المادية لصناعة كل وصفات الأكل، وينتهي بي الأمر بالشعور بالسخط على حياتي، والتوتر، والعصبية طوال الوقت".

طبيعة غريزية ولكن

وتفترض نظرية المقارنة الاجتماعية التي طرحها عالم النفس "ليون فيستنجر" للمرة الأولى عام 1954، أننا نعقد المقارنات كوسيلة لتقييم أنفسنا، وترتبط هذه الغريزة في جذورها بالأحكام الفورية التي نصدرها على الآخرين، وهي عنصر أساسي في شبكة المعرفة الاجتماعية في الدماغ، والتي يمكن أن تُعزى إلى الحاجة التطورية لحماية الذات وتقييم التهديدات.

في حين يبين الاختصاصي النفسي والاجتماعي إياد الشوربجي أن وسائل التواصل الاجتماعي، والتنافس المتزايد في مجموعة متنوعة من المجالات، أوجدت مشكلة المقارنات الاجتماعية وعززتها أكثر من أي زمن مضى.

ويوضح لـ"فلسطين" أن الأشخاص الذين لا يتمتعون برضا ذاتي عن أنفسهم، ورضا بما منحه الله لهم من نعم كثيرة، يضعون أنفسهم بمقارنة دائمة مع الآخرين سواء على المستوى المهني والشخصي، وهو ما قد يسبب لهم مشاكل نفسية كالتوتر والقلق تقود لمشاكل اجتماعية لاحقًا.

ويقول الشوربجي: إن الشخص الذي يضع نفسه في مقارنات مع الآخرين يفقد الثقة بنفسه، لبحثه وانشغاله الدائم في البحث عن النجاح والإنجازات التي حققها الآخرون، ويتجاهل إنجازاته وقدراته الشخصية.

ويؤكد الشوربجي أن فخ المقارنات يمكن أن يؤدي إلى إخفاء ألوان السعادة والرضا الشخصي، وفقدان احترام الشخص لذاته، وذلك لتركيزه على ما يفتقد أكثر مما يملك بين يديه، والذي ربما يفتقده آخرون ممن يقارن حياته بهم.

وينبه إلى أن آثار المقارنات تتوقف صعودًا ونزولًا تبعًا لكيفية معالجتنا للمعلومات، حيث يحدث التحسين الذاتي عندما تلهمنا المقارنة التصاعدية بالمحاولة بجد أكثر، وقد يحدث تعزيز الذات عندما نلاحظ أوجه التشابه مع شخص متفوق، ونقول لقد ارتدنا نفس الكلية، أو خلافاتنا مع شخص فاشل، كأن نقول إنه ليس متفانيًا في عمله نقيض ما أفعل.

وينصح مَن يعانون من قلق المقارنات الاجتماعية الدائمة بـتنمية الوعي الذاتي، والتفكير بتحقيق إنجازات: "قارنوا حياتكم السابقة مع الحالية، ودعوكم من الآخرين، درِّبوا أنفسكم على استعادة ثقتكم بأنفسكم من خلال الخضوع لدورات تنمية بشرية، أو استشارة مختصين نفسيين، أغلقوا أي باب للمقارنة الاجتماعية، وانظروا إلى عطايا الله لكم، وارضوا بها".

كما يحثهم على التطوع في المجال الاجتماعي والإنساني ليوجهوا اهتمامهم بإسعاد الآخرين وخدمتهم، بعيدًا عن انشغالهم بأنفسهم، وتحسس ظروف الناس الذين هم أقل منهم من الناحية الصحية، والاقتصادية، والاجتماعية وغيرها.