قائمة الموقع

مازن أبو صبيح: "بيت القدس" كرامةٌ إذا فُقدت لن تعود أبدًا

2023-09-30T10:03:00+03:00
مازن أبو صبيح: "بيت القدس" كرامةٌ إذا فُقدت لن تعود أبدًا

سلَّمه المستوطنون شيكًا مفتوحًا ليضع الرقم الذي يريده، ووالده من قبله كذلك، مقابل بيع بيته الذي لا تزيد مساحة على 48 مترًا، ويطل على المسجد الأقصى مباشرة، ورغم مغريات المال، وضيق الجدران على 15 فردًا مزّق مازن أبو صبيح الشيك بدعم من أسرته مصرًا على المحافظة عليه حتى تحرير فلسطين.

يقطن أبو صبيح (55 عامًا) في عقبة الخالدية حيث يوجد بيته على بُعد أمتار من مسرى النبي محمد، وسط البلدة القديمة في القدس المحتلة، وكان قد ورثه والده عن جده، وها هو اليوم يحمل أمانة المحافظة عليه، وعدم مغادرته.

وعقبة الخالدية هي الطريق الممتد من طريق الواد، مقابل سوق القطانين؛ وتمتد غربًا باتجاه طريق القرمي، واستولى المستوطنون على بعض منازلها وأقاموا كنيسًا أيضًا.

وبيت أبو صبيح صغير المساحة، يقع ضمن "حوش" مكون من خمسة بيوت ملاصقة لبعضها البعض، وكل بيت له مدخل منعزل عن الآخر، ويقع فوقهم أكبر كنيس يهودي في البلدة القديمة -كان بيتًا مقدسيًّا سُرِّب للمستوطنين-.

يقول أبو صبيح لـ"فلسطين": "الكنيس يقع فوق الحوش مباشرة، ويشترك معه في الممر ذاته الذي يصل طوله إلى 15 مترًا، وخُصص للفئات الإجرامية من المستوطنين الذين يريدون التوبة من ذنوبهم، ولكنهم يفعلون بجميع عائلات الحوش كل الأفاعيل التي تهدد حياتهم".

ويضيف: "لا يتوقفون عن إرهاب الصغار والكبار وحتى الشيوخ، يرشون غاز الفلفل، ويقذفونهم بالحجارة والنفايات، خاصة أنهم سيطروا على أسطح الحوش، ويمنعون السكان من الصعود إليها، وسيل من الشتائم لا يتوقف".

عندما يدخل وقت أذان الفجر يجن جنون المستوطنين، فكنيسهم يطل على ساحات المسجد الأقصى ويفصله عنه نحو 30-40 مترًا هوائيًّا فقط، فيقومون بالنفخ بالبوق، أو تشغيل موسيقى صاخبة، أو الصراخ من أجل إرهاب السكان والمصلين، كما يخبر أبو صبيح.

ويبين أن والده بعد تفاقم اعتداءات المستوطنين وخوفه على حياة أبنائه، وضع شِباكًا وسط البيت لحماية الساكنين، حتى يتفادى وقوع الحجارة والنفايات، مبينًا أن أبناءه ينظفونها بين الفينة والأخرى.

البقاء أو الفقدان

ويلفت أبو صبيح إلى أنه يواجه خطر تفعيل قانون "حارس أملاك الغائبين"، كحال جميع سكان البلدة العتيقة، إذ يعد حي عقبة الخالدية أكثر الأحياء المقدسية قربًا مما يعرف باسم "الحي اليهودي" وهو بؤرة اليهود داخل البلدة، فإذا ترك المقدسيون بيوتهم لضيق المساحة، أو توقفوا عن استهلاك المياه والكهرباء، تُصادَر مباشرة.

وقانون أملاك الغائبين مؤلف من 39 فصلًا ويعد أحد النصوص التأسيسية لدولة الاحتلال، ومنحها سلطة مصادرة وحجز ممتلكات وأصول المواطنين الفلسطينيين بعد أن أُجبروا على تركها عام 1948، وتوظِّفه اليوم لتبرير وهدم وإخلاء البيوت الفلسطينية في القدس.

ويحاول أبو صبيح الصمود في بيته وعدم مغادرته تحت أي ظرف كان، ويرفض تغيير عنوان سكنه خارج البلدة القديمة سواء بشراء بيت أكثر اتساعًا أو استئجار غيره، حتى لا يفقد بيته للأبد بفعل القانون الإسرائيلي الجائر، ويمنعه الاحتلال من الوجود في البلدة القديمة ودخول المسجد الأقصى.

وعن أصعب اللحظات التي مرت على أبو صبيح منذ تحويل البيت الذي يعلو منزله إلى كنيس يهودي، يروي: "في أحد الأيام ألقى المستوطنون علينا حجارة بوزن 50 كيلوجرامًا من أجل إلحاق الأذى بنا، وقتلنا، وإرهابنا لترك البيت، إضافة إلى إلقاء قنبلة حارقة أحرقت أجزاء من البيت".

ويدير أبو صبيح متجرًا لبيع العطور وكان قد عمل قبل ذلك ميكانيكي سيارات، وبعد تقدمه في العمر تحول إلى العطور التي لديه شغف كبير بها منذ زمن، "كما أنها لا تحتاج إلى مجهود كبير مثل عملي في تصليح المركبات ما بين شد ورفع ونقل للمواتير".

في أثناء سيره نحو متجره لا يسلم الرجل من اعتداءات المستوطنين، "ففي الطريق المؤدي إلى متجري ممر للمستوطنين يبعد 15 مترًا عن حائط البراق، الذي يؤدون فيه صلواتهم، حيث يرشوني بالغاز، ويشتموني بأقذع المسبات".

ولا يتوقف الأمر عند ذلك، فالاحتلال ينتقم من المقدسيين بإغراقهم بالضرائب التي لا تنتهي، من ضريبة الأملاك التي تصل إلى 2500 شيقل سنويًا، والدخل، والقيمة المضافة، بخلاف فاتورتي الكهرباء والمياه.

ويواصل أبو صبيح: "الأدهى والأمر أنه إذا استهلك صاحب البيت ماء ضعف عدد أفراد أسرته، وحاجته الشهرية، يتم تغريمه بدفع ضعف ثمنها".

ويؤكد أبو صبيح تمسُّكه ببيته وعقاره "فالمال يأتي ويذهب، أما الكرامة إذا ذهبت لن تعود".

اخبار ذات صلة