قائمة الموقع

"العاشقين".. بأصواتهم الشجية حملوا الهم الفلسطيني للعالم

2023-09-23T11:10:00+03:00
فرقة أغاني العاشقين

"من سجن عكا طلعت جنازة محمد جمجوم وفؤاد حجازي.. جازي عليهم يا شعبي جازي المندوب السامي وربعه عمومًا".. أغنيةٌ صدحت بها حنجرة الفنان الراحل حسين منذر وزملائه من فرقة العاشقين لتتحول هذه القصيدة إلى لحن دارج على ألسنة الفلسطينيين جيلًا بعد جيل، كغيرها من قصائد الشعراء الفلسطينيين العظام التي خلدتها تلك الفرقة.

كبار الشعراء

ففرقة "أغاني العاشقين" التي تأسست عام 1977 م في العاصمة السورية دمشق، ولها العديد من الأغاني الوطنية الفلسطينية، تغنَّت طوال العقود الماضية بأغاني من أشعار كبار شعراء فلسطين كـ: أحمد دحبور ومحمود درويش، وتوفيق زياد، وسميح القاسم، صلاح الدين الحسيني، والشهيد نوح إبراهيم وغيرهم.

وقد نشأت أجيالٌ فلسطينية عديدة على هذه الأغاني منهم الناقد الفني نبيل ساق الله الذي عاصر أغاني "العاشقين" منذ انطلاقتها حين كان طفلًا يستمع لإذاعة صوت فلسطين من بغداد، حين انطلقت الفرقة في عام 1977 ثم اشتهرت بسرعة حتى أصبحت الفرقة الأولى فلسطينيًّا في عام 1980م.

ويبيّن أن الجيل المراهق تربى على أغاني الفرقة التي انتشرت بسرعة هائلة، فكانت تبث في نفوس الفلسطينيين خاصة الشباب منهم معاني الوطنية وتحمل الهم الفلسطيني، في وقتٍ كانت فيه الأغاني الثورية محاربة وممنوعة، ولا يوجد سوى أغاني قصيرة المدة تشحذ الهمم فقط.

إحساس وشجن

ويقول ساق الله: "جاءت أغاني العاشقين التي تمتلئ بالإحساس العالي وتضج بالشجن الذي لفت أنظار الناس ما جعلها تفرض نفسها على الساحة الفنية العربية وتصبح تراثًا فنيًّا فلسطينيًّا أصيلًا".

ويرى ساق الله أن ما يميز أغاني "العاشقين" عن الأغاني الثورية الفلسطينية اليوم أنها كانت تنتقي الألحان المناسبة والمتناسبة مع الكلمات المنتقاة من قصائد قوية لأشهر الشعراء الفلسطينيين، وهي مصحوبة بأداء ذي إحساس عالٍ جدًا من قبل مغنيي الفرقة ما يجعل المستمع يعيش الحالة الثورية الفلسطينية.

ويضيف: "أما اليوم فهناك سرعة في الإنتاج، والميل للإيقاعات السريعة أو تركيب الكلمات على قوالب جاهزة من الألحان غير مناسبة لها مما يحول دون تغلغلها في قلوب المستمعين بالشكل المطلوب، فينبغي أنْ يولي مغنو الثورة الحاليين اهتمامًا أكبر بأعمالهم الفنية ويتأنوا أكثر في الإنتاج".

ودعا لعدم الاستعجال في إنتاج الأعمال الفنية، "ولنا في العاشقين مثال الذين خلّدوا اسمهم بغنائهم لحادثة "الثلاثاء الحمراء" بعد ما يزيد على أربعين سنة منها، فخلدوا ذكرى الشهداء وحجزوا مكانتهم الفنية في الساحة الفلسطينية تاريخيًّا".

وبيّن أن كون العاشقين خلدت الذاكرة الفلسطينية ومثلت نقلة نوعية في الإبداع الفلسطيني في حينه وحافظت على مستواها الفني، كلها أمور جعلت الجمهور متعطشًا لأعمالهم الفنية ومستمعًا لها، داعيًا الفرق الفنية الحالية لأن تحذو حذوهم في تقديم المظلومية الفلسطينية للعالم وتبيان حجم جرائم الاحتلال بحقنا.

وقد طفا الحديث عن فرقة العاشقين التي عاصرت الثورة الفلسطينية المعاصرة للسطح مجددًا إثر وفاة أحد مؤسسيها حسين منذر، الذي غنى لفلسطين ما يزيد على 300 أغنية، ومن أشهر أغانيه "من سجن عكا طلعت جنازة"، و"هبّت النار" و"اشهد يا عالم علينا وعبيروت"، وغيرها كثير من الأغاني الوطنية، التي عكس فيها -أيضًا- تماهي وطنه لبنان مع القضية الفلسطينية، ومشاركته فلسطين العداء مع (إسرائيل).

عمود فني

ومنذر، كان قائدًا لفرقة "العاشقين"، فصدحت حنجرته منذ سبعينيات القرن الماضي بعشرات الأغاني، التي تركت أثرها في نفوس العرب ومناصري القضية الفلسطينية بوجه الاحتلال الإسرائيلي، وعدّه محبوه بأنه من الأعمدة الفنية، التي كرست مسيرتها الفنية في سبيل القضية الفلسطينية.

وكان حسين يعتلي المسرح واضعًا الكوفية الفلسطينية على كتفيه، ويغني بحماسة استثنائية، تمزج بين الأسى والألم، والخيبة والأمل بالعودة لأرض فلسطين المحررة، ويواظب على رفع يديه، وكأنه يريد نقل عدوى الحماسة إلى الجمهور والناس، حتى لا يملوا من الغناء لأجل فلسطين والدفاع عنها بوجه الظلم التاريخي الذي تعيشه.

وينحدر الفنان الراحل من القرى السبع اللبنانية-الفلسطينية التي حصل لاجئوها على الجنسية اللبنانية، في القرن الماضي، وعاش في دمشق التي شهدت انطلاقته مع فرقة "العاشقين"، خاصة في مخيم اليرموك الذي تركه بعد الحرب السورية. 

وسبق أن قال في تصريح صحفي لجريدة "الأخبار" اللبنانية في أبريل/نيسان الفائت، "أنا عربي وأعشق فلسطين، أعشقها عشقًا لا يوصف. دمي واسمي وعنواني عربي فلسطيني أحمل بداخلي كل المكوّنات العربية". وقال حينها -كذلك- أنه ورث عن والده الصوت الجبلي القوي، "الذي يحمل بين طبقاته مشاعر الثائر الفلسطيني من حب وغضب وأسى وحنين".

أما فرقة "العاشقين" فقد أسسها حسين بجهد شخصي، خاصة أن لبنان كان في تلك الفترة يمر بأصعب مراحل اشتعال الحرب الأهلية، التي انخرطت فيها منظمة التحرير الفلسطينية.

وواكبت فرقته الغنائية العمل الثوري الفلسطيني، وأحيت حفلات في عدد من الدول العربية، لكنها انكفأت عن العمل منذ بداية التسعينيات لأسباب لم تعرف كامل تفاصيلها، لكنه سبق أن عللها حسين في أحد تصريحاته قائلًا: "الأحداث السياسية في لبنان وخروج منظمة التحرير.. أثّرت في مسيرة الفرقة، وأدّت إلى توقفها عن العمل".

وغنّت فرقة العاشقين في ذروة شهرتها في العواصم العربية والشيوعية، وقامت بجولات غنائية في العديد من الدول الأجنبية منها اليونان والولايات المتحدة الأمريكية وكندا وبريطانيا وغيرها ونالت جائزة في مهرجان نانت الفرنسي للفن الشعبي وغيرها من الجوائز التقديرية.

واستمرت العاشقين بالعمل لعام 1993م بعد أن أنتجت مجموعة كبيرة من الأغاني واللوحات الفلكلورية ومجموعة ألبومات غنائية.

ثم عادت الفرقة بخطوات مليئة بالتحديات إلى العمل في 2009، وكان لها الحظ بالغناء على عدد من المسارح العربية.

وآخر أغاني "العاشقين"، حملت اسم "رصاص العز"، وغناها الراحل منذر العام الماضي، وتوجه فيها إلى عرين الأسود وكتيبة جنين، ومن أبرز أغانيه السابقة مغناة سرحان والماسورة 1979، وشريط عن عز الدين القسام 1981، وشريط بيروت 1982م، وألبوم دلعونا وظريف الطول 1983، وألبوم طير الغربة 1985، ومغناة الأرض 1987.

اخبار ذات صلة