إن إحدى أهم مهام جهاز الموساد الإسرائيلي تتمثل في تنفيذ إستراتيجية الاستفراد وفقًا لما تم التخطيط له والاتفاق عليه مع أمريكا وبريطانيا وفرنسا، ويجب أن لا ننسى أن بريطانيا قد أوجدت الموساد على الأرض العربية الفلسطينية قبل أن تأتي بالكيان المحتل وتفرضه على أرض الواقع، حيث بدأ الموساد أعماله على شكل عصابات صهيونية كانت تهاجم القرى الفلسطينية وتقتل أبناءها وترعب سكانها وترتكب أبشع المجازر تمهيدًا لإعلان الكيان الإسرائيلي المحتل بأطباق غربية وتسليمه زمام الأمور وفقًا لما تم الإعداد له في المطبخ البريطاني والفرنسي المشترك، فأصبح الدم العربي الفلسطيني ليس له أي قيمة إنسانية حتى داخل أروقة الأمم المتحدة بسبب الدعم الأمريكي والغربي لإسرائيل حيث يتسلح هذا المعسكر بفرضه عقوبات اقتصادية خارج نطاق القانون الدولي على كل دولة تحاول التمرد على قرارات الغرب الظالمة بل وصل الحد في سياسة البيت الأبيض إلى ممارسة كل أشكال الابتزاز بالعصا والجزرة أحيانًا لإجبار الدول على التطبيع مع الكيان المحتل إلى أن فشلت هذه السياسة الاستعمارية وتكسرت أخيرًا على أبواب المملكة العربية السعودية القائد الواعد للأمة الإسلامية بعد أن استعصت على كل أشكال الضغط الأمريكي ولا ننسى هبة الشعب العربي الليبي العظيم الذي قلب الطاولة على محاولات أمريكا تدجين الدول والحكومات ذات الاحتياجات الخاصة بعد الكشف عن لقاء سري جمع وزيرة خارجية ليبيا مع وزير خارجية الكيان المحتل في إيطاليا، وأثمر ذلك عن إغراق كل قوارب التطبيع التي كانت تبحر في الظلام كالمهاجرين لأوروبا وتعذر إنقاذ أي منها.
وبرغم كل ذلك لا يمكن لنا إخفاء محاولات الاستفراد التي قام بها جهاز الموساد الإسرائيلي منذ احتلال عام ١٩٤٨، حيث كانت جهوده منصبّة نحو الاستفراد بالدول العربية وبالفصائل الفلسطينية بمساعدة ودعم من المعسكر الغربي، حيث نجح إلى حد معقول في تحييد بعض الدول العربية والالتفاف عليها باتفاقات إذعان لم تحقق للأمة العربية ولشعوبها سوى الفقر والخذلان، ولكن الموساد لم ييئس في أي مرحلة من مراحل الفشل، فنراه يجدد المحاولات لإنجاز أكبر قدر ممكن من الاستفراد بالأمة العربية تطبيقًا لحكاية الثور الأبيض، وفي مجال الاستفراد بالفلسطينيين نجح الموساد إلى حد ما في الاستحواذ على بعضهم بذات الطريقة التي كان قد تعامل بها مع بعض المخاتير ووجهاء العشائر في بداية أعماله الاستيطانية لتسهيل استمرار الكيان المحتل.
وما يزيدنا فخراً بهذه الأمة، هو وجود فصائل فلسطينية مقاومة لهذا الاحتلال كأبطال جنين ونابلس وغزة والمرابطين والمرابطات الذين دافعوا عن المسجد الأقصى بأجسادهم ما دفع الصهاينة للاعتداء على الحرائر في ظل صمت عربي وإسلامي رسمي وشعبي لم يسبق له مثيل، فالفلسطينيون يقتلون في مخيم جنين بينما نتنياهو رئيس حكومة التطرف يتلقى إحاطات عن الموقف ويخطب أمام الأمم المتحدة كما في كل مرة، ويصفق له الكثيرون ممن لا يعنيهم الشأن العربي الفلسطيني، ويلتقي أيضًا بالرئيس الأمريكي الذي جاء حاملًا بإحدى يديه حل الدولتين وباليد الأخرى حقوق الإنسان، وها هو يقترب من نهاية ولايته ولم يلمس أطفال فلسطين أي شيء مما جاء به، فقد دعم تهويد القدس وما زال يعلن التزامه بأمن إسرائيل في كل المحافل حتى أثناء قيام جنود الاحتلال باقتحام المسجد الأقصى، لذلك أنا أرجو من الدول العربية أن تنتبه وتضع حدًّا لاستفراد الصهاينة بهم تدريجيًا، وتحذو حذو العربية السعودية وباقي الدول العربية والإسلامية التي استعصت على التطبيع وفي مقدمتهم الجزائر وقطر والكويت وسوريا والعراق ولبنان ودول أخرى ترفع لها قبعات شرفاء العرب، فهنالك دول تجرم التعامل بطريقة مباشرة أو غير مباشرة مع الصهاينة لإفشال مخططات أمريكا وبريطانيا الساعين لتوسيع وتسهيل مهمة الكيان المحتل لإجبار العرب والمسلمين للتعامل معه كأمر واقع على حساب الشعب العربي الفلسطيني وعلى حساب الأرض العربية الفلسطينية.
وأؤكد هنا على أن الأمور ستتغير فمن سيكتب التاريخ ليس المحللون ولا تلك القنوات التي تساوي بين الضحية والجلاد بل أبطال جنين ونابلس والخليل الذين لا يخافون في فلسطين لومة لائم وها هي الأحداث تثبت بداية تقهقر خطط الموساد وفشله في الاستفراد بالدول العربية وبالفصائل الفلسطينية وستظل القضية الفلسطينية قضية العرب الأولى قد تمرض أحيانًا ولكنها لن تموت أبدًا، وستعود أقوى من أي وقت سابق بفضل يقظة الشعوب العربية والإسلامية وصلابتها ورفضها للتطبيع وإصرارها على تحرير القدس وفلسطين وفقًا لما جاءت به الشرائع السماوية.
حفظ الله أمتنا العربية والإسلامية وحماها من مؤامرات الاستفراد الغربي بها.