منذ سبعة عشر عامًا والاحتلال الإسرائيلي يفرض حصارًا خانقًا على سكان قطاع غزة، يطال جميع نواحي الحياة الإنسانية والقطاعات الحيوية داخله، وقد أدى إلى تدهور حاد في مؤشرات القطاعات الصحية والاجتماعية والاقتصادية، في ظل مواصلة سلطات الاحتلال فرض قيود على حركة الأفراد والمعابر، وما يعقبها من تداعيات على صعيد الرعاية الصحية والعيش الكريم، مشكّلًا انتهاكًا مستمرًا لحقوق الفلسطينيين في قطاع غزة.
الواضح أن سلطات الاحتلال الإسرائيلية تُمعن في تشديد حصارها لقطاع غزة بإغلاق المعابر التي تتحكم بها دومًا، تحت ذرائع واهية وادعاءات كاذبة، فتارة تدعي تهريب غزة السلاح إلى الضفة، وتارة أخرى تتحجج بالمظاهرات الشعبية على الحدود الشرقية للقطاع، المطالبة برفع الحصار، وكأنهم ارتكبوا بذلك جريمة أو أن مطالبهم غير إنسانية في نظر الاحتلال، الذي لا يعير القانون الدولي أي أهمية وهو مستمر في فرض حصاره الظالم برًا وجوًا وبحرًا على قطاع غزة المحتل في حزيران عام 2007، بحيث أصبحت (إسرائيل) تتحكم في مداخلِه البرية والبحرية بعدة معابر أبرزها معبر بيت حانون "إيرز" المخصص لدخول الأفراد، ومعبر كرم أبو سالم المخصص للبضائع، وبذلك يكون الاحتلال في سنوات الحصار المشدد المفروض عليه بالقوة قد سجن أكثر من مليوني فلسطيني داخل مساحة جغرافية ضيقة تقدر بـ ٣٦٢ كيلو متر مربع، وعمل على عزله عن العالم الخارجي بتحويله إلى أكبر سجن، بل إن جاز التعبير حوّله إلى قبر للموت البطيء.
اقرأ أيضًا: من حق غزة أن تعيش
اقرأ أيضًا: رسالة إلى الفصائل والمجتمع الأهلي في غزة
يمثّل الحصار الإسرائيلي لقطاع غزة شكلًا من أشكال سياسة العقاب الجماعي غير القانوني يرتقي إلى ارتكاب جرائم حرب، إذ تتأثر كل أسرة غزيّة بتبعاتِه وتراكماتِه من ازدياد نسب الفقر والبطالة، إلى سوء الحياة المعيشية للسكان عامة، وقد تضررت قطاعات كثيرة بسبب استمراره منها الزراعة، والصناعة، والتجارة، فانعكس بدوره سلبًا على اقتصاد القطاع، ناهيك عن الحروب المدمرة التي شنها الاحتلال عليه، التي عملت على تدمير الكثير من المباني والمنشآت والمصانع، وأصبحت البنية التحتية مهترئة، ولم تشفع وعود الإعمار.
إن واقع الحال في قطاع غزة برمته في تدهور مستمر، بسبب الحصار الإسرائيلي الخانق المفروض على سكانه، نظرًا إلى عجز المجتمع الدولي عن الضغط على (إسرائيل) لإنهاء الحصار، ومعاقبتها على كل الجرائم الإنسانية التي ترتبت على هذا الحصار، الذي وصف بحسب تقارير أممية، بأنه جريمة ضد الإنسانية، ولا سيما بسبب حالة التجويع وانعدام الأمن الغذائي لسكانه، وقد أكدت الأمم المتحدة في تقاريرها السابقة بأن القطاع لا يصلح للعيش.
فبالرغم من السكوت من المجتمع الدولي على جريمة حصار قطاع غزة، إلا أن الحراك الدولي لكسره كان ولا يزال من قبل منظمات حكومية وغير حكومية ومنظمات المجتمع المدني والمؤسسات الدولية المختلفة قائمًا، فقد أعلنت دولة الكويت الشقيقة عن نيتها إطلاق مبادرة بعنوان "افتحوا موانئ غزة"، إذ تعتزم الحملة في الأيام القليلة المقبلة إطلاق تظاهرة بحرية تنطلق في عواصم عربية وأوروبية عدة في وقت متزامن، بهدف تسليط الضوء على معاناة الشعب الفلسطيني المحاصر في قطاع غزة، والضغط على سلطات الاحتلال لرفعه، فهذا الحراك بالرغم من أنه عمل إنساني بالتضامن مع غزة، إلا أنه يوجه رسالة للفت أنظار العالم إلى الكارثة الإنسانية والخطر الذي يهدد الفلسطينيين من استمرار الحصار، الذي تحول إلى قنبلة موقوتة ستنفجر في أي لحظة في وجه الجميع.