في لحظة مفاجئة، تلقى والد المحرر خليل عواودة (42 عامًا) من بلدة "إذنا"، غربي الخليل، أول من أمس، اتصالًا غير متوقع من ابنه، يخبره: "بلغوني بالإفراج اليوم"، وبنبرة ممزوجة بالشك والقلق، طلب من والده التريث، قائلًا: "احتمال يكون فخ"، ليبقى والده في حيرة لكون نجله يفترض أن يفرج عنه نهاية العام الجاري.
الساعة الثانية عشرة والنصف ظهرًا من يوم الجمعة، تلقى "عواودة" الأب اتصالًا وهذه المرة كان المتحدث مدير سجن "عوفر" الإسرائيلي وقال له: "ابنك على المعبر"، كان والده وأفراد عائلته في هذه اللحظة في المكان ينتظرون ابنهم، ليفوّتوا على الاحتلال فرصة تبهيت مراسم استقباله، بعد اعتقاله في 27 كانون الأول/ديسمبر 2021، خاض فيه إضرابًا عن الطعام استمر لمدة 172 عامًا، انتزع به موعد الإفراج عنه.
بالرغم من مرور عام على انتهاء إضرابه الملحمي، لم يستطع المحرر عواودة السير وحده عندما فك السجانون قيوده، فأسندَه ثلاثة من أقاربه، ولم تكن أقدامه وحدها المتثاقلة وهو يحاول السير، بل كان صوته كذلك في أولى مقابلاته حينما قال: "الرسالة إلى شعبنا العظيم الماضي بطريق الحرية والتحرير، أن هذا الطريق لا يمر إلا عبر بوابة الوحدة".
"عندما تعدى إضراب ابني عن الطعام 100 يوم، توقع والده أن يأتي خبر استشهاده، وأن أطارد لاستلام جثته، لكنه وبفضل الله عاد إلينا حرًا بعد اعتقال استمر لعامين"، لم يتمكن المحرر عواودة من الحديث مع صحيفة "فلسطين" بسبب معاناته من صعوبة النطق في إثر الإضراب وإهمال الاحتلال في علاجه، فنابَ والده في الحديث تغمره فرحة الحرية.
اقرأ أيضاً: "الرشق" يبارك للأسير خليل عواودة حريته من سجون الاحتلال
بجسد واهن منهك من أثر الإضراب فقد على أثره وزنه وبهتت ملامحه، أمسك كأس "شاي" بعد انتهاء الإضراب، واعتلت ملامحه ابتسامة ممزوجة بفرحة الانتصار وقال: "هذا أول ما يدخل فمي باستثناء الماء طيلة مدة الإضراب".
حلوى النصر
في 3 مارس/ آذار 2022، بدأ خليل إضرابًا مفتوحًا عن الطعام احتجاجًا على اعتقاله الإداري، قبل أن يوزّع "حلوى النصر" على الأسرى في سجون الاحتلال، يستذكر والده بابتسامة رافقت صوته: "تفاجَأ الأسرى واستغربوا من عزيمته، فكانت نيّته وإرادته هي الانتصار لإنهاء حكم الإداري التعسفي، وبراءته من تهمة التحريض على "فيس بوك".
بقلق وخوف تابع "عواودة" إضراب نجله "خليل"، كان يخشى أن تكون نهاية الملحمة "الموت قبل نيل الحرية"، إلا أن إرادته تغلبت على وهن الجسد مع طول مدة الإضراب الذي بلغ نحو ستة أشهر، ومحاولات الاحتلال الضغط عليه بشتى الوسائل لثنيه عن مواصلة إضرابه.
إحدى تلك الوسائل الضاغطة، وفق والده، هو تعليقه للإضراب بعد 110 أيام، يوضح: "اتفقت معه مخابرات الاحتلال على تعليق الإضراب مقابل الإفراج الفوري عنه، ونقلوه بالسيارة من المستشفى وأخبروه أنه سيعود إلى بيته، وبعد ثلاث ساعات من التجول أخبروه أن المستشفى ترفض الإفراج عنه بزعم استكمال العلاج".
وأضاف أن "إدارة سجون الاحتلال نقلت خليل مرة أخرى إلى المستشفى لمدة ساعتين، بزعم "عدم استكمال الإجراءات" قبل أن يتفاجأ بتمديد اعتقاله الإداري لـ6 أشهر، ليعود إلى مواصلة إضرابه بالرغم من أن مخابرات الاحتلال كانت تراهن على صعوبة عودته للإضراب بعد تعليق استمر لـ10 أيام".
ويصف والد المحرر خليل عواودة إضراب نجله بـ"التجربة القاسية" التي استمرت 172 يومًا، فيها لم يتناول أي ملح أو مدعمات، وتعرض لضغوطات كبيرة إلا أنه نجح في الصمود والانتصار على السجانين".
وبالرغم من الاتفاق على الإفراج عن عواودة في تشرين الأول/ أكتوبر 2022، إلا أن سلطات الاحتلال وقبل الإفراج عنه وجهت له تهمة "محاولة إدخال هاتف" في أثناء نقله من مستشفى "أساف هروفيه" الإسرائيلي إلى "عيادة سجن الرملة" ولاحقًا حكمت عليه بالسجن الفعلي 16 شهرًا وغرامة بقيمة 5 آلاف شيقل، مع وقف التنفيذ لمدة 8 أشهر.
زيارة وحيدة
لم يتمكن "عواودة" من زيارة نجله إلا مرة واحدة وكانت عندما علق إضرابه مؤقتًا، "كانت الزيارة بعد تنسيق مع مصر والاتحاد الأوروبي لأجل أن أدخل لرؤية ابني، ويومها التقطت له صورًا وبعد نشرها تفاعل الرأي العام مع قضيته وكان وضعه خطيرًا".
عن حالته الصحية، يغلف القهر صوت والده "رغم أنه أنهى إضرابه منذ عام، لم يعطه الاحتلال العلاج في السجن، فكان طوال الوقت نائمًا على البُرش (سرير السجن)، ولا يستطيع حمل الملعقة، ولم يأخذ حتى حبة "أكامول" في عيادة السجن".
كانت المشكلة التي واجهت عواودة في تواصله الهاتفي مع نجله هو صعوبة نطقه، يقول: "على مدار ستة أشهر لم أكن أفهم ما يقول، ولكن حتى لا أحرجه كنت أتظاهر أنني أفهم ما يقوله، ثم تحسنت حالته تدريجيًا وإلى اليوم لا زال يعاني صعوبة النطق".
وبلغت سنوات اعتقال عواودة 15 عامًا، وفي هذه المدة لم يستطع التخرج من كلية الاقتصاد بجامعة القدس المفتوحة، يتهم والده الاحتلال بإعاقة تخرج نجله بهدف الانتقام منه، ومعاقبته على دوره الوطني في نصرة الأسرى والتفاعل مع قضايا الشعب الفلسطيني.