كثرت الأحاديث حول شخصية بنيامين نتنياهو رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، والتي كان آخرها ما نقلته صحيفة "هآرتس" العبرية نقلاً عن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والتي جاء فيها:" أن نتنياهو يشكل حجر عثرة أساسية أمام تجديد مسار المفاوضات بين (إسرائيل) والسلطة الفلسطينية".
وفي تصريح سابق للأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، في 29-8-2017، قال:" نتنياهو عقبة أمام أي جهد حقيقي لإحياء عملية التسوية"، وذلك بعد أن صرح بأن المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة سوف تبقى إلى الأبد.
التصريحات الأمريكية والمصرية حول شخصية نتنياهو، وما أشيع حوله من نوايا لملاحقته وزوجته سارة في قضايا فساد، يطرح تساؤلاً مهما على طاولة البحث، لماذا الآن يتم التطرق لشخص نتنياهو؟ وما علاقة شخصه بـ"صفقة القرن" أو حتى المصالحة الفلسطينية؟.
تنصل من الوعود
هذه التساؤلات طرحتها "فلسطين" على فرحان علقم الخبير في الشؤون الإسرائيلية، لتقف على تفسير لهذه التصريحات، والتي رأى فيها علقم أن اعترافاً أمريكياً بأن نتنياهو شخصية غير مرنة لا يمكن أن يساعدها في استقطاب الرأي العام بمنطقة الشرق الأوسط.
وقال: "يتفاخر نتنياهو بأن بعض الدول العربية تطّبع معه، ويقوم بممارسات احتلالية وتهويدية تحرج الموقف الأمريكي وتجعل أمريكا تظهر وكأنها تأخذ املاءات من نتنياهو وهذا ما لا يمكن أن تقبله شخصية مثل ترامب".
ونتنياهو هو رئيس وزراء (إسرائيل) منذ 31 مارس 2009، وكان قد تولى قبل ذلك رئاسة الوزراء في الفترة من 1996 إلى 1999، ويشغل منصب رئيس حزب الليكود الإسرائيلي وكان سفير (إسرائيل) في الأمم المتحدة في ثمانينيات القرن الماضي.
وأشار علقم إلى جولة نتنياهو في أمريكا اللاتينية والتي سعى من خلالها نتنياهو لأن يظهر بمظهر المتحكم في زمام الأمور، حتى في الدول البعيدة عن "إسرائيل"، ويستطيع أن يفرض أجندة الأخيرة على هذه الدول.
عرج إلى ملفات الفساد التي تلاحق نتنياهو، قائلاً: "هذه الملفات جعلت نتنياهو يبدو أنه غير قادر على إطلاق الوعود أو تنفيذ العهود، وأنه لا يمكن أن يكون شريكاً للولايات المتحدة لفرض الحل الذي تطلق عليه صفقة القرن".
وأوضح أن نتنياهو للتخلص من هذه الملفات فإنه يجنح إلى مزيدٍ من التطرف، والسعي لكسب اليمين المتطرف من خلال الإعلان عن الاستيطان الأبدي بالضفة الغربية وغيرها من الممارسات الاستعراضية، والتي لا تعطي الإدارة الأمريكية أي أفق للتحرك كي تفرض رؤيتها للشرق الأوسط الجديد.
ولفت علقم إلى تصريحات أبو الغيط قائلاً:" نتنياهو يستنزف تأييد مصر للمواقف الإسرائيلية بشكلٍ غير رحيم وهذا يزعج المصريين لأنه يظهرهم وكأنهم تابع للإرادة الإسرائيلية"، شارحاً أن تصريحا نتنياهو حول الاستيطان أجبرت أبو الغيط على التعبير عن رأيه بشخص نتنياهو.
وعلى الصعيد الدولي يرى علقم أن شخصية نتنياهو أصبحت غير مرغوب بها، وأنه منذ إعلان المستشار القانوني نيته توجيه تهم قضائية ضد زوجته سارة بدأ حزبه – الليكود- بالسعي لإيجاد خليفة له، وعندها سيصبح نتنياهو خارج اللعبة حسب وصف علقم.
والليكود هو الحزب الرئيسي في يمين-وسط الطيف السياسي الإسرائيلي، والمنافس الرئيسي لحزب العمل، تم تأسيسه عام 1973، والذي بالرغم من معارضته للانسحاب من الأراضي المحتلة، إلا أنه تحت زعامة رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغين انسحب من سيناء بحسب اتفاق كامب ديفيد الموقع مع مصر 1978.
محاولة اختزال
وفي سياق متصل، عرضنا هذه التساؤلات على الدكتور حسن خاطر مدير مركز القدس الدولي، والذي اعتبر التعليق على شخصية نتنياهو هو بمثابة اختزال لما أسماه "صفقة القرن" ونوعٍ من "المهزلة السياسية" التي لا تعبر عن أي موقف أمريكي جاد.
وانتقد تصريحات ترامب حول شخصية نتنياهو، قائلاً:" إن الجوانب الشخصية في فردٍ معين لا يمكن أن تحكم أو تقرر مصائر الشعوب، ولا أن تحسم صراع مثل الصراع (الفلسطيني العربي) مع الاحتلال الإسرائيلي".
ويشير مصطلح "الصراع العربي الإسرائيلي" إلى التوتر السياسي والعسكري بين دولة الاحتلال الإسرائيلي، والفلسطينيون –أصحاب الأرض- ودول الجوار العربي التي خاضت مع الاحتلال خمسة حروب كبرى عدا عن المناوشات المستمرة حتى توقيع معاهدات وفق إطلاق النار الدولية معها.
ويرى خاطر في محاولات ترامب إثارة انعكاس شخصية نتنياهو على مصير الصراع العربي الإسرائيلي ومنطقة الشرق الأوسط ككل، بأنها محاولة لإيجاد مبررات لتراخي حكومة الاحتلال وعدم التزامها بأي اتفاق، وكذلك هي تعكس الضعف الأمريكي والذي بسببه تلجأ الولايات المتحدة للمراوغة.
وقال:" إن كل زعيم صهيوني له مواصفات شخصية خاصة به، وذات طابع عدواني، ولا يرى سبلاً لإنهاء الصراع ، بل يركز على الهيمنة على المزيد من الأراضي الفلسطينية"، منبهاً إلى أن الولايات المتحدة تحاول أن تقول للفلسطينيين والعرب :" لهذا السبب لم تلتزم (إسرائيل)".
وأكد على أن تصريحات ترامب تعكس خلل في شخصيته أكثر من الخلل الذي يتحدث عنه في "شخصية المتحدث عنه"، "لأن الأخير ما هو إلا صهيوني محتل يؤمن بالعدوان ومصادرة الحقوق والحريات وهذا معروف عند المجتمع الدولي".
وترامب هو الرئيس الخامس والأربعون للولايات المتحدة الأمريكية، منذ 20 يناير 2017. وهو أيضًا رجل أعمال وملياردير أمريكي، رؤيته لحل الصراع "العربي الإسرائيلي" تقوم على صفقة كبيرة جداً تشمل الكثير من الدول وتغطي مساحة كبيرة من الأراضي، وهي ما فسره بعض المحللين بأنها خطة لترحيل الفلسطينيين من الأراضي المحتلة عام 1948 والضفة الغربية وقطاع غزة إلى الدول العربية، ونهاية للهوية الفلسطينية، كما عبرت عنه صحيفة القدس العربي في عددها الصادر بتاريخ 25-2-2017.
ويرى خاطر أن ترامب يحاول جاهداً منح نتنياهو فرصة لفرض مزيد من التهويد والاستيطان على الأرض، واصفاً تصريحات ترامب بأنها :" مراوغة أمريكية لدعم الجرائم والممارسات الإسرائيلية على الأرض".
واعتبر الاعلانات الإسرائيلية المتكررة حول إنشاء المزيد من الأبنية الاستيطانية في الضفة الغربية والقدس المحتلتين ما هو إلا رد على المصالحة الفلسطينية بأسلوب إسرائيلي يقوم على تهويد الأرض وقضم مزيد من المساحات لأجل الاستيطان، مشدداً على أن الولايات المتحدة ما هي إلا شريك متواطئ مع الاحتلال الإسرائيلي في ممارساته الإحلالية على الأرض الفلسطينية.
وتفاخر نتنياهو في كلمة ألقاها في حفل أقيم في مستوطنة "بيتار عيليت" لليهود الحريديم جنوب القدس المحتلة بأن ما تقوم به حكومته لأجل الاستيطان لم يسبقها إليه أي حكومة أخرى، معلنا عن نية حكومته إقامة مستوطنة "عميحاي" قرب نابلس، والتي ستكون أول مستوطنة جديدة تبنى على الأراضي الفلسطينية منذ ربع قرن، على حد قوله.