سجنٌ مطبق الإحكام هو الواقع الذي يريد الاحتلال الإسرائيلي لسكان قرية "جنبا" العيش فيه، فلا خروج منها أو دخول إليها إلا بمراقبة ومشيًا على الأقدام، يحرمون من الخروج للتسوق والتعليم خارج حدود القرية، في محاولة إسرائيلية لإجبارهم على تركها للأبد.
تصاعدت أخيرًا الاعتداءات الإسرائيلية على القرية الواقعة أقصى جنوب الخليل ضمن تجمع قرى مسافر يطا، إذ أطبق الاحتلال أنياب حصاره على القرية، ووضع على مدخلها حاجزًا يتحكم في الداخلين إليها والخارجين منها، وبعد احتجاجات لدى قضاء الاحتلال أزال الاحتلال الحاجز لكنه منع المواطنين من التنقل عبر السيارات.
المواطن سامي الهريني يبين أنّ أهالي القرية أصبحوا يتنقلون وأطفالهم عبر "تراكتور" زراعي لقضاء حوائجهم ما يعني السير تحت أشعة الشمس اللاهبة لمسافة تبلغ أربعة وعشرين كيلومترًا للوصول إلى "يطا" التي هي أقرب بلدة لهم، ويقضون منها حوائجهم من الطعام والشراب.
والتنقل عبر "التراكتور" أو أي سيارة يجب أن يكون "خلسة" عن أعين الاحتلال الذي إنْ اكتشف أي حركة يصادر الحافلة المستخدمة للأبد، "فيكون البديل غالبًا، عربات يجرها الحمار، مع مشقة السير في طرق غير معبدة وفي درجات الحرارة اللاهبة التي تتميز بها منطقة جنوب الخليل".
اقرأ أيضًا: العواودة تدعو أهالي مسافر يطا لحماية أراضيهم بكل الوسائل
ويضيف الهريني: "أحالوا حياتنا لجحيم منذ عامٍ مضى، أصبحت الحياة صعبة للغاية في القرية، يحاصروننا من كل ناحية، ويُجرون التدريبات العسكرية بين بيوتنا، ويمنعوننا من الزراعة حيث يدمرون محاصيلنا، في حين يحاصرنا المستوطنون الرعاة من كل حدب وصوب حتى حرمونا من المراعي لمواشينا".
منطقة إطلاق نار
وتقع "جنبا" على بعد 70 كم مما يعرف سياسيًا باسم "الخط الأخضر" الفاصل بين الأراضي المحتلة عام 48 والأراضي المحتلة عام 67، كما يبين رئيس مجلس قروي مسافر يطا نضال أبو يونس، مشيرًا إلى أن ثلثَي الأراضي استولى عليها الاحتلال وضمّها للداخل المحتل في عام 1950م.
ويضيف: "أما من الغرب فيحدها قرية القريتين، ومن الشرق قرية المركب، ومن الشمال قرية بيت العت، ولم يتبقَ فيها سوى 300 مواطن إذْ إنها تتعرض منذ الاحتلال الإسرائيلي للمنطقة لاعتداءات مستمرة تهدف لتهجير عائلاتها".
ويفيد أبو يونس أن الاحتلال أصدر في عام 1980م قرارًا باعتبار القرية منطقة "إطلاق نار" وهدم بيوتها بالكامل في يوم عيد الفطر عام 1985م وأعاد الكرّة في عاميْ 87 و88، ونفذ في الأعوام 95 و96 و99 و2016م عمليات هدم جزئية.
ويلفت إلى أن أهالي القرية يحرمون من البنية التحتية، يحصلون على الكهرباء عبر خلايا شمسية بسيطة، ويتحصلون على المياه عبر آبار الجمع، ويمنعون من تعبيد الطرق".
ويتابع: "أصعب ما في الأمر منع بناء البيوت حيث يسكن أهلها في كهوف أو بيوت حجرية قديمة مسقوفة بالصفيح، وكل هذه البيوت التي يعيش المواطنون بداخلها حياة قاسية، لديها أوامر هدم من الاحتلال".
ويواجه سكان "جنبا" اعتداءات منظمة من جيش الاحتلال وغلاة المستوطنين، دونما أي محاسبة من القضاء، أما إذا ادعى المستوطنون أن فلسطينيًا من القرية ضايقهم فيُعتقل على الفور، كما يؤكد أبو يونس.
اقرأ أيضًا: مسافر يطا.. صراعٌ من أجل البقاء
ويشير إلى أنه في عام 2000م كان صدر أمر احترازي من "المحكمة العليا الإسرائيلية" بمنع تهجير أهالي القرية قسريًا، "والمحكمة نفسها قلبت المعادلة بإلغاء القرار، حيث سارعت قوات الاحتلال لوضع حاجز أمام القرية وحبس سكانها بداخلها".
ولاحقًا في شهر يونيو 2022م أزيل الحاجز ومنع التنقل عبر أي نوع من الحافلات، حتى أصبح الحصول على المواد الغذائية والرعاية الطبية حلمًا لأهل قرية جنبا، "وهذا يعني أنهم مضطرون للتنقل عبر التراكتور الوحيد أو العربات التي تجرها الدواب لمسافات طويلة وصولًا لمركز مسافر يطا".
والتنقل عبر "التراكتور" على صعوبته –وفق أبو يونس- مخيف بسبب احتمالية ضبطه ومصادرته وحرمان القرية من وسيلة النقل الآلية الوحيدة.
ويشير إلى أن سلطات الاحتلال صادرت قبل مدة 11 سيارة مملوكة لأهالي القرية، واحتجزت مدرسَين يأتون من يطا للتدريس في مدرسة القرية طالبين منهم عدم العودة لها عبر سيارتهم الخاصة وإلا صادروها".
ويشدد أبو يونس على أن الحياة في "جنبا" تزداد قساوةً يومًا بعد يوم، ويعيش أهلها بين خيارين أحلاهما مر، فإما ترك بيوتهم والرحيل منها وإما تحمل ما لا يمكن تحمله في سبيل الحفاظ على أرضهم وممتلكاتهم".