بأسى وحزن بالغَيْن ظاهرَيْن على وجهه طَرَق نعيم السرساوي أبواب وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، مطالبًا بحقه في تعويضات تأخر صرفها 9 سنوات منذ أن لحقت بمنزله أضرار بالغة إبان العدوان الإسرائيلي على غزة صيف 2014.
اقرأ المزيد: تقرير 9 سنوات والمعاناة لا تزال تلاحق "متضرري عدوان 2014"
كان السرساوي يطرق البوابة الزرقاء في الجهة الغربية من المقر الإقليمي لـ"أونروا" في غزة بعنف شديد، ومع كل طرقة كان العرق يتصبب من جبينه.
وجاء الرجل إلى مقر "أونروا" ضمن فعالية احتجاجية نظمتها اللجنة الوطنية العليا لمتضرري عدوان 2014، أمس، قادمًا من حي الشجاعية، حيث يسكن في شارع المنصورة شرق مدينة غزة، الذي تعرض لنيران كثيفة وقصف بالقنابل الثقيلة خلال العدوان الذي امتد آنذاك 51 يومًا، وارتكب خلاله جيش الاحتلال جرائم فظيعة.
ومنزل السرساوي (49 عامًا) المتضرر بسبب القصف الإسرائيلي مكون من 3 طوابق، ويُؤوي أكثر من 30 فردًا يقيمون فيه، وبسبب قصف محيطه بعدة ضربات جوية شنها الطيران الحربي في ذلك الحين، تضرر سقف البناية السكنية وجدرانه من عدة جهات أضرارًا بليغة.
"بعد انتهاء العدوان تلقينا وعودًا بأن تعيد وكالة الغوث إعمار ما دمره الاحتلال"، يضيف السرساوي لصحيفة "فلسطين".
وتابع: "لاحقًا وقعنا عقدًا مع الوكالة بلغت فيه قيمة تعويض الأضرار 9000 دولار، لم أتلقَ منها شيئًا"، مؤكدًا ضرورة التزام "أونروا" صرف قيمة التعويضات للمتضررين حتى يتمكنوا من إعمار بيوتهم بعد سنوات طويلة من العدوان.
احتجاج غاضب
وعبر المشاركون في الفعالية الاحتجاجية عن غضبهم مما سمّوه "مماطلة أونروا" في صرف التعويضات، بترديد هتافات ورفع لافتات خطّوا عليها شعارات عدة، من بينها: "تسع سنوات من المعاناة ونحن ننتظر تعويضنا"، "التعويض حق شرعي لكل لاجئ فلسطيني متضرر".
وحسب معطيات وردت في تقارير صادرة عن مؤسسات محلية ودولية، فإن جيش الاحتلال هدم في عدوانه على غزة عام 2014 نحو 12 ألف وحدة سكنية هدمًا كليًا، و160 ألف وحدة هدمًا جزئيًا، منها 6600 وحدة غير صالحة للسكن.
وبين المحتجين الغاضبين، كان تيسير نعيم (61 عامًا) يهتف "يا أونروا بدنا حقوقنا".
وكان نعيم من سكان مدينة بيت حانون، وتحديدًا في حي الأمل القريب من السياج الفاصل، وقد فقد منزله المكون من 5 طوابق على مساحة بناء 240 مترًا مربعًا خلال العدوان.
وآنذاك دمر جيش الاحتلال أجزاء واسعة من حي الأمل بقذائف المدفعية والضربات الجوية التي شنتها المقاتلات الحربية.
لكن نعيم لم يحصِّل من وكالة الغوث إلا تعويضا عن قيمة شقة سكنية واحدة فقط من أصل خمس شقق كانت تحتضنها البناية السكنية التي دمرها الاحتلال.
وتساءل: "كيف لأونروا أن تمنح متضررين تعويضات كاملة، وتمتنع عن صرفها لآخرين؟"، مضيفًا: "لن أتنازل عن حقي في الحصول على التعويض".
أما محمد شعث، الذي يسكن في رفح جنوبي القطاع، فلجأ إلى إعمار الأضرار الكبيرة التي لحقت بمنزله على نفقته الخاصة، وتبلغ مساحته 120 مترًا مربعًا، وهو مسقوف بألواح من الصفيح.
وأفاد شعث لـ"فلسطين" بأن قيمة الأضرار بلغت قرابة 5000 دولار، وهو مرتبط بشيكات والتزامات شهرية لسدادها، في حين أن "أونروا" منحته 1436 دولارا فقط.
وتابع: "ألا يكفي ما حل بنا من العدوان الإسرائيلي حتى تُؤخر أونروا صرف التعويضات دون أن نعلم سبب ذلك (..) نحن نريد حقوقنا دون مماطلة أكثر من ذلك؛ لأن عدم صرفها ألحق بنا تداعيات صعبة".
وهدد المشاركون في الاحتجاج الغاضب بإقامة خيمة اعتصام أمام مقر وكالة الغوث إلى حين صرف التعويضات لهم جميعًا.
وكانت اللجنة الوطنية العليا لمتضرري عدوان 2014، قد عقدت لقاءات وأجرت مشاورات مع إدارة "أونروا" وتوصلت إلى اتفاق ينص على موافقتها على تخصيص نصف مليون دولار لشريحة من المتضررين، واختيار الأسماء وتدقيقها بمشاركة دائرة الهندسة والخدمات في الوكالة، والعمل على جلب التمويل من الدول المانحة لتعويض بقية المتضررين حسب ما يتوفر من مبالغ مالية تصرف بناء على العقود الموقعة معهم.
وبين المتحدث باسم اللجنة عبد الهادي مسلم لـ"فلسطين"، أن قيمة الأضرار التي لم يحصِّل أصحابها تعويضات تزيد على 80 مليون دولار، منبها إلى أن قرابة 135 منزلا هدمها الاحتلال كليًا لم يتلقَ أصحابها تعويضات بعد.
اتفاق ومماطلة
وحسب بيان للجنة حصلت "فلسطين" على نسخة عنه، فإنها اتفقت مع الوكالة على تحديد نهاية يوليو/ تموز الماضي موعدًا لصرف المبلغ من خلال البنوك، لكن الوكالة تراجعت عن تفاهماتها مع اللجنة العليا للمتضررين واللجنة المشتركة للاجئين، وقررت صرف مبالغ مالية للمتضررين "بليغًا وجزئيًا"، وكذلك صرف مبالغ لعشرات من أصحاب الهدم الكلي تحت بند مساعدة مالية إنسانية غير مرتبطة بملف الأضرار.
وأكدت اللجنة رفضها القاطع لهذا الإجراء، معتبرة إياه "تنصلًا واضحًا من الاتفاق السابق مع اللجنة المشتركة ولجنة متضرري 2014". وأكدت رفض هذا التحول الخطير من "أونروا" في سياسة التعامل مع اللجنة المشتركة التي هي شريكة أساسية مع الوكالة للتخفيف عن اللاجئين وتذليل العقبات التي تواجههم.
وأضافت اللجنة في بيانها: "إننا جهة مستقلة، ونعمل للدفاع عن حقوق المتضررين، ونكرس وقتنا من أجل الضغط لحل ملف تعويضات 2014"، محملة إدارة وكالة الغوث بغزة مسؤولية تعطيل الملف، وتداعيات ذلك عليهم.