"نفيسة، قرّب إبعادك".. على الرغم من تجاهل المرابطة المقدسية المسنة نفيسة خويص الرد على تهديد الضابط الإسرائيلي لها قبل أيام بتلك الكلمات الاستفزازية، فإنه كرر تهديده في أثناء خروجها من المسجد الأقصى لحظة انتهاء الصلاة.
والمرابطة نفيسة واحدة من أربع مرابطات استدعتهن سلطات الاحتلال لتسليمهن قرارات إبعاد تحضيرًا لموسم "الأعياد اليهودية" العدوانية الأطول على الأقصى، وهن -إلى جانبها-: خديجة خويص، وسماح محاميد، وعايدة الصيداوي.
اقرأ المزيد: المرابطات في الأقصى.. كحجارة المسجد لا يعرفن الوهن
ومع اقتراب "الأعياد اليهودية" التي باتت تشكل مواسم عدوان على الأقصى بدأ الاحتلال خطواته الأولى لتسهيل اقتحامات المستوطنين للمسجد المبارك باستهداف المرابطات عند باب الأسباط.
وتحت ما تسمى "إجراءات احترازية" تنفذ قبيل الأعياد التهويدية، اعتقلت قوات الاحتلال منذ مطلع سبتمبر/ أيلول الجاري 20 مقدسيًا، لتسليم الناشطين والمرابطين منهم أوامر إبعاد عن الأقصى، وقد كان للمرابطات النصيب الأكبر من تلك الأوامر.
لم تستجب نفيسة لقرار الاستدعاء، لأنها تتوقع أن تتسلم أمر إبعاد جديدًا بعد شهرين فقط من انتهاء إبعادها الأخير الذي استمر سبعة أشهر، وسبقه إبعاد عام 2020 واستمر عامًا كاملًا.
وعلى الرغم من نبرتها القلقة من الإبعاد والاعتقال، فإنها أبدت استعدادها لتحدي القرار، إذ تقول لصحيفة "فلسطين": "تلقيت اتصالًا من مخابرات الاحتلال، وهددني الضابط قائلًا: بنعرف كيف نحضرك، وعلى الرغم من ذلك فلن أرضخ له وسأواجهه".
وأضافت بكلمات ممتلئة بالوجع: "نعاني ألمًا كبيرًا وأنت ترى الأقصى قبالة بيتك، وتسكن بجواره ولا تستطيع الدخول إليه للصلاة، حتى أنني لا أستطيع الآن الخروج من البيت خوفًا من اعتقالي، ومحاولة تسليمي قرار إبعاد عن المسجد المبارك. امرأة مثلي ماذا تشكل خطرًا عليهم؟".
وفي 27 يوليو/ تموز الماضي وقبل يوم واحد من انتهاء مدة إبعادها، جلست نفيسة على باب السلسلة يغمرها الشوق وهي تنتظر مرور الوقت الذي بدأ يتباطأ، تمتلئ عيناها بالشوق والحنين، إلا أن جنديًا إسرائيليًا أفسد عليها جلستها عندما طلب منها الابتعاد من طريق المستوطنين لحظة اقتحامهم، وفي إثر رفضها الاستجابة لطلبه، أقدم على ليّ أصبعها وكسره، وقد نقلت من جراء ذلك للمشفى.
اقرأ المزيد: استباقاً للعدوان على الأقصى.. الاحتلال يستدعي عدداً من المرابطات بالقدس
ولم يكتفِ الاحتلال بإبعاد المرابطات عن الأقصى، بل يمنعهن من الوجود في البلدة القديمة كاملها، لثنيهنّ عن مواصلة طريق الدفاع عن المسجد، وهو ما ترفضه نفيسة بكلمات ممزوجة بحب الأقصى: "لا يمكننا أن نستجيب لهم، وسنبقى ندافع عنه مهما فعلوا ونكلوا بنا".
وتبدأ الأعياد بما يسمى "رأس السنة العبرية" يومي 16 و17 سبتمبر الجاري، متبوعًا بـ"أيام التوبة العشر" التي تتكثف فيها الاقتحامات، يليها "عيد الغفران" في 25 من الشهر ذاته، ثم "عيد العرش التوراتي" الذي يبدأ من 30 سبتمبر حتى 7 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل.
استدعاء وتضييق
وفي مواسم الأعياد يستدعي الاحتلال المرابطات غير المبعدات لتسليمهن قرارات إبعاد تصل إلى ستة أشهر، وذلك من خلال "جلسة استماع" يعقدها أحد ضباطه لهن، أما المبعدات ممن اقتربت مدة انتهاء إبعادهن، فيسلمهن الاحتلال قرارات إبعاد جديدة، ويتم التضييق على من تبقى، والكلام للمرابطة المقدسية هنادي حلواني.
تضيف حلواني لـ"فلسطين": بالعادة يطال الإبعاد المرابطات نظرا لدورهن الكبير في التصدي لاقتحامات المستوطنين عبر التكبير والوقوف في طريق الاقتحامات.
تقف المرابطة حلواني عند باب الأسباط أو باب حطة، لإيصال رسالة الأقصى للعالم بعد الانتهاء من أداء الصلوات، لكن حتى هنا تلاحقهم عيون الاحتلال وإجراءاته القمعية، تشرح: "يراقبنا من خلال الكاميرات، ويحوطنا الجنود في كل لحظة، في كثير من الأحيان يشوشون علينا الصلوات، ويطلبون الوثائق وأي شيء نحمله للتفتيش، ويتم اعتقالنا، تعرضتُ للتفتيش قبل أيام قليلة".
وأضافت: "في اليوم التالي لركل أحد شرطة الاحتلال المواطنة فاطمة عمارنة من قرية يعبد بجنين، أوقفوني عند باب حطة وطلبوا تفتيشي فأدخلوني غرفة صغيرة بالمكان الذي قتلوا فيه الشهيد إياد الحلاق، لكنني رفضت وبشدة خشية تلفيق تهمة لي أو وضع سكين بجانبي بهدف سجني، وفتشت بالخارج".
وتخشى حلواني اقتحام بيتها واعتقالها قبيل الأعياد اليهودية، وهي واحدة من المرابطات البارزات في الدفاع عن الأقصى، بدأت باستلام قرارات الإبعاد عام 2013، وبلغت في مجموعها 10 سنوات إبعاد، وينتهي إبعادها الأخير في ديسمبر/ كانون الأول القادم.
هجمة شرسة
كحال خويص، امتنعت المرابطة الصيداوي عن الاستجابة لاستدعاء مخابرات الاحتلال، التي عاودت الاتصال بها، ثم اقتحام بيتها أول من أمس وتسليمها الاستدعاء للقدوم لمركز شرطتها بالقدس المحتلة.
تقول الصيداوي لـ"فلسطين" عن تفاصيل المقابلة: "سلموني بلاغا بالإبعاد عن الأقصى لمدة أسبوع قابلة للتجديد لمدة ستة أشهر، وقال لي الضابط: ممنوع تدخلي الأقصى. أنتِ بتشكلي خطر على المستوطنين".
"أنا ما بشكل خطر على المستوطنين، الأقصى النا مش الهم، المستوطنون وين كانوا قبل 15 سنة، كان واحد أو اثنين لما يدخلوا الأقصى تطلعوهم".. هكذا ردت المرابطة صيداوي على الضابط الإسرائيلي قبل خروجها من مركز شرطته وفي يدها قرار الإبعاد.
تسكن صيداوي أمام باب الحديد، وتعد الرباط في الأقصى "عبادة يتقرب بها الإنسان إلى الله، فالمسجد المبارك عقيدة لا تنازل عنها".
وتتعرض المرابطات، كما تابعت، لهجمة شرسة خلال الفترة الأخيرة "بمجرد رؤيتنا نتجمع في مكان يتم الاعتداء علينا، أو رصد تحركاتنا بين نقاط شرطة الاحتلال بالبلدة القديمة، بعض المرابطات يتم فرض مخالفات مرورية على سياراتهن مثل حلواني وخديجة خويص، أو قطع التأمين الصحي كما حدث معي، وقد عرضوا علي بيع بيتي لكنني رفضت".
بنبرة تحد تؤكد "سأبقى أدافع عن الأقصى حتى آخر يوم في عمري، فأنا وهبت نفسي للدفاع عنه مهما كلف ذلك من ثمن".
حال المرابطات المقدسيات المبعدات يطال أيضًا المرابطات القادمات من الداخل المحتل عام 1948، فإضافة لمنع الاحتلال قدوم حافلات المصلين من هناك بتهديد السائقين أو مخالفتهم، يضيقون على المرابطات لإعاقة دخلوهن للأقصى.
أول من أمس كانت المرابطة من الداخل المحتل منتهى أمارة تنتظر صديقتها أمام مركز شرطة الاحتلال بالقدس (القشلة) فأقدم أحد الضباط على سحب هويتها وتفتيش حقيبتها.
انتهت فترة إبعاد أمارة قبل نحو شهرين بعد سنة من الإبعاد، ومع ذلك تتوقع أن يتم إبعادها مجددًا في أي وقت قبيل أعياد اليهود.
ونشرت أمارة مقطعًا مرئيًا لها من داخل المسجد الأقصى تدعو فيه لشد الرحال للمسجد الأقصى، من كل المدن وإعماره بالصلاة وتلاوة القرآن، وقالت: إن "الأقصى يستباح من قطعان المستوطنين، فلبوا نداء الأقصى".