يواصل الاحتلال الإسرائيلي عملياته العسكرية في الضفة الغربية، ويجهز ويعد المعلومات الاستخباراتية العابرة للحدود، وتحديدًا في الجبهة الشمالية وقطاع غزة، في محاولة منه لتطويق الأحداث القادمة بالقوة، متجاهلًا أصل الحكاية، خاصة أن البدائل التي وضعت على الطاولة تعدُّ من المحرمات في الأمن القومي الإسرائيلي.
المراهنة التي كان يحاول الاحتلال وحكومة نتنياهو العمل عليها باتت تتبخر وتتلاشى يومًا بعد يوم، والذي قام بهذا الجهد الكبير لضرب هذه المراهنة هو الشعب الفلسطيني باحتضانه المقاومة، وتعزيز هذه الثقافة وهي الحاضنة الشعبية، والتوجيه الوطني الشامل لحماية المقاومة.
وفي التفصيل وبعد التعمق في المشهد الحالي نجد أن عددًا من المفاصل والروابط كان الاحتلال الإسرائيلي قد اطمأن لها والهدوء فيها بات طبيعيًّا.
والمحاور المركزية التي يسعى الاحتلال إلى تثبيتها على النحو الآتي:
* معادلة الأمن في الضفة الغربية التي كان الاحتلال أوكَلَها إلى خطة أعدها الجنرال الأمريكي دايتون ونجحت إلى حد كبير مؤقتًا، وكانت سياسة ممنهجة جوهرها الهدوء مقابل الاقتصاد، وهذا في الأشهر الأخيرة قد فقده كليًّا وتجاوزته المقاومة من خلال هبَّة الشعب الفلسطيني واحتضانها.
اقرأ أيضًا: (إسرائيل).. هل تحترق؟
اقرأ أيضًا: هشاشة الكيان والنيل من صورته
* هناك قرار إسرائيلي بضم الضفة الغربية، وهذا يتضمن أن الاستيطان مشروع مركزي لدى أي حكومة سواء متطرفة أو معتدلة، لأن إستراتيجية الأمن القومي الإسرائيلي مبنية على ضم الضفة الغربية ويهودية الدولة والقدس الموحدة وعزل الأقليات، وهذا المحور الآن يتم العمل عليه، وهذا يضمن إلغاء السيادة الفلسطينية، وقيام كيان للفلسطينيين حتى ولو كان منزوع السلاح، وهذا من البدائل الممنوعة، بل المحرمة سواء لدى الأنظمة العربية أو لدى الاحتلال، لأن ما جرى في جامعة الدول العربية وقمة الجامعة في بيروت بإطلاق مبادرة السلام العربية حينما كان الرئيس الراحل الشهيد ياسر عرفات محاصرًا، كان النص بإعطاء الفلسطينيين الدولة، ومن ثم التطبيع مع العرب، وحاليًّا هذا المشهد لم ينقلب وحسب؛ وإنما حصل الاحتلال على التطبيع المجاني والتنسيق الأمني والضم والسيطرة وإلغاء أي بند سياسي في اتفاقية أوسلو.
* المحور الإقليمي الذي لم يكن في الحسبان لدي الاحتلال أن يكون هناك ما يعرف بوحدة الساحات والجبهات، وهذا ينسف نظرية أوسلو وينسف نظرية الضم وينسف أيضًا نظرية التطبيع، لأن الدول العربية كانت تحاول أن تملي على شعوبها ذلك، إلا أنها وصلت إلى مرحلة أن كل الإقليم يسخن، والتصعيد الإسرائيلي يعلو، والشعب الفلسطيني يقاوم، والمراهنة على ترويض الفلسطينيين في الضفة فشلت، والمراهنة على كسر غزة في الحصار فشلت، والمراهنة على تقسيم العالم العربي ما بين مطبع وما بين شيعي وسنّي وغيرها أيضًا فشلت.
المقاومة وحدت الجبهات، والإسرائيلي يحاول فصلها، الإسرائيلي وحَّد القدس وعزز يهودية الدولة، والمقاومة تفصل هذه الفكرة من خلال استمرار الإعداد والتجهيز، وتكثيف تكتيك الاستنزاف، والقرار بمطاردة المستوطنين، وقوة الفكرة والإعلام الموجه، والعمل المقاوم الميداني والرباط في المسجد الأقصى المبارك، وتحريك مخيمات اللجوء وتجهيزها لدور عابر للحدود ضمن الحق المشروع المنصوص عليه في القوانين الدولية بعودة المشرد إلى أرضه، ومقاومته مكفولة قانونيًّا في ذلك.
اليوم ومع هذه التطورات الكبيرة التي نسفت كل ما بناه الاحتلال من روابط إقليمية من تطبيع وبرنامج أمني وتخدير وإعلام يُنسي كل من هو صاحب حق حقه، اليوم في معادلة المقاومة الجديدة الثمن الذي تجاهله الاحتلال سنوات طويلة بفعل وجود البديل، وهو التسوية والتنسيق الأمني والتطبيع المجاني، كل هذا الذي قدم للإسرائيلي على طبق من فضة من العربان والأنظمة الديكتاتورية، تنسفه المقاومة اليوم، وبات الاحتلال ملزمًا بدفع الثمن سواء الميداني أو الأمني، ولاحقًا السياسي الذي شطبته إسرائيل وعدَّته من البدائل الممنوعة.
وبعد الفشل في ترويض الفلسطينيين وتخديرهم بين هدنة من أجل الصيد والغذاء والوقود، وبين قمة وبيان ومال وإعمار وتطوير وتقسيم، ووهم الدولة ووعود السراب وإلغاء للمصالحة وشطب للمقاومة، وتغطية كل هذا السلوك بإنسانية في غير محلها، وتوقيت خبيث يحول التحرير لتخدير، ويستبدل وعد العرب بتحرير فلسطين بالتمرير، وبات الإسرائيلي يدرك جيدًا أن الذي حاول مرارًا وتكرارًا تجنب الحديث فيه نظرًا لهذا الدعم والإسناد من النظام العربي المباشر وغير المباشر لكسر الفلسطيني وتمزيق قضيته؛ ثمنه يجب أن يدفع، وأن البدائل الممنوعة ستكون هي المفروضة واقعًا، نظرًا لتغير المعادلة، اليوم وإن لم يكن اليوم فسيكون لاحقًا ومجبرًا وبتوقيت وجغرافيا وقرار الشعب ومقاومته.