فلسطين أون لاين

عن مجزرة طولكرم وغدر السلطة

الشعب الفلسطيني في الضفة المحتلة واقع بين نارين مستعرتين؛ نار الاحتلال، ونار السلطة، والأخيرة هي الأشد قسوة وأكثر ألمًا عليه، لكونها جاءت من نيران صديقة أو إن شئت فقل من نيران غادرة، لفتح أجهزتها الأمنية النار صوب المواطنين وارتكاب مجزرة بشعة في مخيم طولكرم يوم الأربعاء الماضي أسفرت عن ارتقاء المواطن عبد القادر نضال زقدح، متأثرا بجراح خطيرة أصيب بها برصاص السلطة الغادرة، في حين أصيب العشرات بجروح مختلفة، واعتقلت عددا كبيرا من المواطنين، وذنبهم أنهم حاولوا منعهم من إزالة متاريس وحواجز نصبها مقاومون في وقت سابق، لإعاقة تقدم قوات الاحتلال خلال الاقتحامات المتكررة للمخيم، في خطوةٍ تؤكد حرص الحاضنة الشعبية على مساندة المقاومة في مواجهة الاحتلال، معتبرين عمليات إزالة الحواجز تساوقا وتواطؤا مع الاحتلال، وخروجا عن الإجماع الوطني.

ما أقدمت عليه أجهزة أمن السلطة في مخيم طولكرم من إطلاق نار حي ومباشر صوب المواطنين فاق كل الحسابات والتجاوزات والخطوط الحمراء للدم الفلسطيني، وملاحقة المقاومين والشرفاء والمناضلين، الذين يدافعون عن شعبهم الواقع تحت سطوة الاحتلال والاستيطان والتهويد والتهجير، فهل تكافئهم السلطة بالقمع والضرب والقتل والملاحقات والاعتقالات والتعذيب؟

السلطة لا تخجل من نفسها عندما ترسل قواتها لاقتحام المناطق والمنازل والاعتداء على المواطنين، كما حدث في مخيم طولكرم، بذريعة إزالة الحواجز التي تعيق اجتياحات قوات الاحتلال، بل إنها تعمل على تسهيل مهامها الأمنية والعسكرية بفتح الطريق لها للدخول بسهولة والوصول إلى أهدافها بسلام، سواء كانت لتنفيذ عملياتها الإجرامية وملاحقة وتصفية المقاومين، أو اعتقال النشطاء، ولم يتأتَّ هذا إلا من خلال التنسيق الأمني بينهما (السلطة والاحتلال).

يعد الفلسطينيون ما قامت به قوات أمن السلطة في طولكرم وجنين ونابلس وجبع من اعتداءات وحشية على المواطنين يندى لها الجبين، التي لم تمثل في يوم من الأيام صوتهم وتطلعاتهم بمقاومة الاحتلال، خذلاناً، بل وطعنة في الظهر، بسبب التعاون والتنسيق الأمني، الذي أصبح "كابوسا حقيقيا" يلاحق المقاومين والمناضلين في الضفة المحتلة، في وقت هم بأمس الحاجة إليها للاصطفاف معهم وشد أزرهم، لكنها تسير في المدار المعاكس وقد خيبت آمال شعبها، وفي إثر ذلك فقد شهدت مواقع التواصل الاجتماعي انتقادات لاذعة للسلطة عبر عدة وسوم أبرزها: (#كلاب_الاثر، #التنسيق_الأمني_خيانة)، في ظل تصاعد جرائم بحق الشعب الفلسطيني من كلا طرفي التعاون الأمني.

الملاحظ في الأمر أن حملات السلطة الأمنية في الضفة المحتلة عموما اشتدت في الآونة الأخيرة، وقد لوحظ كيف تفاعلت قوات أمن السلطة مع أهالي مخيم جنين بالقمع بعد زيارة عباس له، لما قامت به من مداهمات واعتقالات للمواطنين ومهاجمة مواكب الجنازات وبيوت العزاء للشهداء، مثلما أطلقت النار على مشجعي جنازة الشهيد أمير خليفة في نابلس، ولم تسلم مسيرات الشهداء والأسرى من اعتداءاتها القمعية بالضرب وإطلاق نار صوب المشاركين، وقد نتج عن ذلك إصابة عدد كبير من المواطنين، ما يؤكد أن ما حدث في مخيم طولكرم يوم الأربعاء الماضي جاء مباشرة بعد اجتماع عباس شخصيا مع أجهزته الأمنية بأيام قليلة في مقر المحافظة برام الله، وبعدها بالمجلس الثوري لفتح، هل كانت هذه الاجتماعات لوقف التنسيق الأمني أو لتعزيزه؟

الإجابة عن هذا السؤال واضحة وضوح الشمس متمثلًا بسلوك السلطة الميداني ضد أبناء شعبها وما تجريه في السر من لقاءات مشبوهة مع مسؤولين وشخصيات سياسية وأمنية إسرائيلية في إطار تعزيز التنسيق الأمني والعلاقات الودية بين الجانبين التي تهدف إلى قمع الشعب الفلسطيني المنتفض، وما يحاك في الغرف المغلقة ضد المقاومة في الضفة، فقد كشفت قناة 12 العبرية، صباح الأربعاء بتاريخ 30/8/2023، أن عضو الكنيست عن حزب العمل الإسرائيلي، جلعاد كاريب، توجه إلى رام الله بتنسيق من جيش الاحتلال وأجهزة أمن السلطة، وقد التقى مع شخصيات قيادية في السلطة وحركة فتح المقربين من محمود عباس، وبحسب القناة فإن زيارة كاريب خصصت لتأكيد استمرارية التعاون والتنسيق الأمني بين الجانبين، واصفًا اللقاء بأنه جرى بروح طيبة، وأنه سيكون هناك مزيد من اللقاءات في القريب.

لا يخفى على أي فلسطيني دور السلطة الأمني في خدمة الاحتلال، بامتهانها التنسيق الأمني باحتراف، والواضح أن تصفية اتفاق أوسلو وإرساءه على التعاون الأمني له هدف مشترك هو إجهاض أي عمل فلسطيني مقاوم ومعارض، فمنذ منتصف التسعينيات، برزت العديد من الأسماء لمقاومين ساهمت السلطة في تسليمهم للاحتلال، مثل الشهيد محيي الدين الشريف، أحد القادة القساميين، الذي نجا من محاولة اغتيال إسرائيلية، حتى اغتالته يد الغدر في السلطة، بعد رحلة تعذيب طويلة في سجونها أسفرت عن بتر ساقه، في محاولة لسحب اعترافات عن المقاومين الآخرين، قبل أن تضعه الأجهزة الأمنية في سيارة مفخخة وتفجرها في مدينة رام الله المحتلة عام 1998، وفي مشهد مشابه تم اغتيال أجهزة السلطة الناشط السياسي المعارض نزار بنات في عام 2021، في دليل على تواطؤ السلطة مع الاحتلال الإسرائيلي من أجل سحق المعارضة، ولا تزال أجهزة السلطة تعتقل عددًا من المقاومين والنشطاء الإعلاميين والسياسيين في سجونها، وتعرضهم للتحقيق والتعذيب على خلفية مشاركتهم في أعمال مقاومة ضد الاحتلال.

الدم الفلسطيني غالٍ ومقدس عند كل فلسطيني شريف، وإن حقه واجب وطني وديني، فلا تجوز بأي حال من الأحوال إراقته، لكي لا نعطي الاحتلال الصهيوني مبررا لجرائمه المتواصلة، وأن استمرار السلطة وأجهزتها المتسلطة في هذا النهج المدمر والمسيء لنضالات وتضحيات الشعب الفلسطيني بسفك دمه يمثل عارا على الثورة الفلسطينية، فهذه المواقف المشينة كشفت النقاب عن وجهها الحقيقي وبدت الأمور واضحة أنها عون وربح للاحتلال ضد أبناء شعبها، الذي يقاوم ويدافع عن بلده ومقدساته بكل ما يملك من غال ونفيس ضد الاحتلال، لذا يستحق رفع القبعات، لا أن توجه أجهزة أمن السلطة رصاص بنادقها صوب المقاومين والمواطنين بشكل عام، فهذا الأمر له تداعيات خطيرة، قد تؤدي -لا قدر الله- إلى الانزلاق إلى حرب أهلية لا تحمد عقباها، وهو ما يسعى الاحتلال جاهدا إلى تحقيقه، بهدف تصفية القضية الفلسطينية.

 

المصدر / فلسطين أون لاين