يسألني البعض: أنا معلم، أنا أب، أنا أم، أنا زوج، أنا ربة بيت، أنا موظف في بنك في شركة، أنا لاعب كرة قدم، أنا طالبة جامعية، أنا طالب مدرسة، أنا قائدة فريق عمل لإصدار منهاج تعليمي... إلخ، لا علاقة بيني وبين القيادة، فهل يمكنني أن أصبح قائدًا؟
انتبه... خلال ممارستك للكثير من الأدوار، تكون أنت القائد فيها في واقع الأمر من دون تكليف بالقيادة، فالأم مثلًا قائدة تقود الأبناء أثناء تربيتها لهم وتنفرد في القيادة في أحيان كثيرة وفي الكثير من الأمور، والزوج قائد في قيادته لزوجته وأسرته وبيته، والمعلم قائد يقود طلابه خلال عملية التعليم، وموظف البنك يقود زبائنه الذين يعمل معهم لإنجاز معاملاتهم المالية، حتى مجموعات الأطفال الذين يلعبون في الروضة أو المدرسة لهم قائد يقودهم خلال لعبهم.. وهكذا؛ ولحساسية موضوع القيادة وأهميته، تناول رسول الأمة وسيدها هذا الموضوع في مواقف وأقوال كثيرة، عندما قال: «كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته».
والسؤال: هل أستطيع أن أصبح قائدًا؟ أو هل أنا مؤهل للقيادة؟ يخطر على بال الكثيرين؛ فإذا كنت تريد ذلك ومستعدا لأن تتحمل أعباء القيادة ومسؤولياتها، وتُكسب نفسك بعض المهارات التي تجعل منك قائدًا ناجحًا، فالقيادة ليست تشريفًا وإنما هي تكليف وتعب وشقاء إذا أردت أن تقوم بها بما يرضي الله؛ فهي أمانة بين يديك ستُسأل عنها يوم القيامة.
ويذكرني ذلك بالحديث الذي دار بين أبي ذر والرسول صلى الله عليه وسلم عندما طلب أبو ذر القيادة، فقال له: «يا أبا ذر، إنك ضعيف (أي القيادة تحتاج إلى خصائص)، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها، وأدى الذي عليه فيها».
فالذي يتولى أمر جماعة من الناس يحتاج لصفات تؤهله لذلك وعليه مسؤوليات جسام عليه أن يؤديها؛ ومن تلك الصفات، عليه أن يكون قوي الشخصية، وحاسمًا، وذا بصيرة، وأن يؤدي هذه الأمانة، لأن كل أمر من أمور الجماعة أمانة أناطها الله عز وجل بالقائد، وسيحاسبه الله عليها؛ فالمريض أمانة في عنق الطبيب، والطالب أمانة في عنق المعلم، والمشتري أمانة في عنق البائع، والأبناء أمانة في عنق الوالدين، والمواطنون أمانة في عنق رئيس الدولة ورئيس الحكومة.
ويخطر ببالنا سؤال: هل القادة الجيدون، يُولدون أم يُصنعون؟ جدلٌ قديم تضاربت الآراء حوله، فهناك من يجمعون أن الأشخاص يولدون بصفات قيادية تجعلهم قادة مميزين، وهناك من يرون أن بإمكاننا صناعة القائد من خلال تعليمه فنون ومهارات وعلوم القيادة.
ولكن ما يظهره الواقع هو أنه لا يوجد خلطة سحرية من السمات الشخصية التي يولد بها الشخص فتجعل منه قائدًا ناجحًا؛ وهذا يوصلنا لنتيجة مفادها أن أي شخص بإمكانه أن يتعلم فنون القيادة ويتمرس عليها ليصبح قائدًا ناجحًا ومؤثرًا من خلال فهمه لأنماط القيادة المختلفة ليستخدم النمط المناسب في الموقف الذي يليق به، فالقادة يُصنعون من خلال محصلة غير منتهية من مزيج من المعرفة، والمهارات، والخبرات.
أما في معرض الإجابة عن سؤال: لماذا ينجح بعض القادة في دورهم القيادي بينما يفشل آخرون؟ فنقول: هناك سلوكيات تسبب فشل القائد وفشل عملية القيادة لديه، وتحول بينه وبين تحقيق أهدافه وأهداف الجماعة، ومنها:
٭ خوف القائد من منافسة أفراد الجماعة له، فيشغل نفسه طوال الوقت بحماية نفسه وقيادته، بدلًا من الانشغال بالمهام التي تخدم الجماعة وتسهم في تطورها وتقدمها وتحقيق أهدافها.
٭ غياب الحماسة والطاقة لدى القائد وغلبة الكسل والتقاعس لديه على المثابرة والعمل الجاد وتطوير ذاته وقيادته.
٭ البحث الدائم عن أعذار لتبرير الإخفاقات والمبالغة في تحديد أهداف متواضعة والاحتفاء بأي إنجاز تافه وتضخيمه ليبدو وكأنه نجاح منقطع النظير.
٭ التسلّط: فالقائد الفعَّال يمارس قيادته بالتشجيع وليس بالتهديد والقمع وزرع الخوف في قلوب أفراد المجموع.
٭ الأنانية: فالقائد الحقيقي لا يدَّعي النجاح لنفسه فقط بل يعزوه لتضافر جهود الجميع.
٭ عدم الوفاء: فالقائد غير الوفيِّ لمبادئه وقيمه ووعوده وأعوانه والذي لا يملك ولاءً حقيقيًا لمن هم أعلى وأدنى منه مرتبة لا يحافظ على قيادته لمدة طويلة، وعدم الوفاء يجلب الاحتقار من قِبل الآخرين.
٭ عدم التعلم من الأخطاء السابقة حيث يقوم القائد بإلقاء اللوم في ارتكاب الأخطاء على الآخرين ويبرئ نفسه، الأمر الذي يؤدي إلى تكرار الخطأ.
٭ عدم تشجيع القائد لأفراد الجماعة وعدم إعطائهم الإحساس بالأمان والتقليل من شأنهم وأهمية ما يقومون به من عمل.
٭ ضعف ثقة القائد بنفسه يؤدي إلى ضعف ثقة الجماعة به.