تدل كل المؤشرات على أن التحولات التي ستشهدها ساحات المواجهة العسكرية مستقبلا ستفرض على حركات المقاومة الفلسطينية والأطراف التي في حالة عداء مع (إسرائيل) بشكل عام تحديات كبيرة يتوجب التحوط لها ومحاولة توفير حلول لها بشكل مسبق.
ولعل المتغير الأبرز الذي باتت تقر به (إسرائيل) وجيشها هو توظيف الذكاء الاصطناعي في المجال العسكري، بعد أن استثمرت الكثير من الموارد في توظيف التقنيات المتقدمة والسايبر في هذه المجالات.
فقد بات جيش الاحتلال يقر بأنه يوظف على نطاق واسع تقنيات تعتمد على الذكاء الاصطناعي في خمسة مجالات رئيسة، وهي: جمع المعلومات الاستخبارية، الخطط العملياتية، (الدفاع)، بلورة التقديرات الإستراتيجية، والإدارة.
ويتضح أن جيش الاحتلال يركز على توظيف الذكاء الاصطناعي في تنفيذ عملياته العسكرية والاستخبارية التي تستهدف بشكل خاص حركات المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وإن كان يفترض أنه يستخدم أيضا هذه التقنيات ضد ساحات أخرى.
اقرأ أيضًا: ممارسات الاحتلال هي صاعق التفجير
اقرأ أيضًا: تشجيع حكومة نتنياهو لإرهاب المستوطنين.. واقع وتداعيات
فحسب ما نقل موقع صحيفة “يديعوت أحرنوت” عن ضابط كبير في وحدة التجسس الإلكتروني المعروفة بـ “وحدة 8200″، التابعة لشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية “أمان”، فإن جيش الاحتلال وظف الذكاء الاصطناعي في التعرف على أماكن تواجد قيادات الجناح العسكري لحركة حماس المطلوبين لـ(إسرائيل) في حرب مايو 2021.
وحسب ما قاله يوآف، قائد وحدة الذكاء الاصطناعي في ذراع السايبر في “أمان” للموقع فإن جيش الاحتلال بات يستخدم الذكاء الاصطناعي في تحديد مكان الأشخاص المطلوبين للتصفية من بين قادة العدو في ثواني، مع أن هذا الجهد كان يعكف عليه عشرات الأشخاص وتستغرق مهمة إنجازه أسابيع.
ويأمل جيش الاحتلال أن تساعده التقنيات التي تعتمد على الذكاء الاصطناع في تحديد المناطق التي تضم منصات الصواريخ ومنظومات القذائف والقناصة التابعة لحركة حماس في المواجهة القادمة.
إلى جانب ذلك، فإن جيش الاحتلال بات يوظف الذكاء الاصطناعي في تفسير الصور التي يتم التقاطها من قبل المسيرات والحوامات لبناء صورة استخبارية تساعده على فهم “العدو” ومخططاته وتساعد على تحديد الآليات التي يتوجب اتباعها في مواجهته.
وقد أبلغ ضابط كبير في جيش الاحتلال قناة “13” الإسرائيلية أن سلاح الجو يعتمد على تقنية تعمل بالذكاء الاصطناعي توصي السلاح بالوقت المناسب لتنفيذ الغارات الجوية بناء على خوارزميات محددة.
كما أنه يتم توظيف الذكاء الاصطناعي في تحذير قوات جيش الاحتلال المتوغلة في قطاع غزة، على سبيل المثال، من الإجراءات الهجومية والدفاعية التي يمكن أن تقدم عليها المقاومة.
وحسب مجلة “ناس وحوسبة” العبرية، فإن جيش الاحتلال دشن قاعدة بيانات ومعلومات عسكرية لأغراض حربية تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتوظيفها في بناء بنوك الأهداف التي يتوجب ضربها في عمق أرض “العدو” اثناء اندلاع الحروب، يطلق على هذه القاعدة ” Generative Knowledge Warfare”.
فضلا عن ذلك، فإن مراكز التفكير وألوية البحث التابعة لجيش الاحتلال تعتمد على الذكاء الاصطناعي في بلورة تقديرات إستراتيجية إزاء فرص التصعيد مع هذا الطرف أو ذاك، وهو ما سيساعد حكومة الاحتلال على توجيه الجهد العملياتي للجيش ضد “العدو” في ظل إدراكها المسبق لتداعيات ذلك على مستقبل المواجهة.
ويتضح أن مؤسستين داخل جيش الاحتلال مسؤولتان عن إدارة الجهد الحربي والاستخباري الذي يعتمد على الذكاء الاصطناعي، وهما: شعبة الحوسبة و” وحدة 8200″. وتختص شعبة الحوسبة في إعداد الكوادر البشرية القادرة على توظيف الذكاء الاصطناعي عبر تنظيم دورات للضباط، فضلا عن أنها تتكفل بمتابعة آخر التحديثات المتعلقة بتطبيقات الذكاء الاصطناعي في المجال المدني.
وتقترح شعبة الحوسبة على “وحدة 8200” هذه التطبيقات لاعتمادها في المجالين العسكري والاستخباري.
وقد يكون من المفارقة، أن شركة “ميكروسوفت” قد تعاونت مع جيش الاحتلال في تنظيم دورات لضباطه حول الذكاء الاصطناعي، كما تقر بيانات الجيش ذاته.
وفي أوضح مؤشر على أن (إسرائيل) عاقدة العزم على توظيف الذكاء الاصطناعي في المجال العسكري والاستخباري دون منح أي اعتبار للضوابط القيمية والأخلاقية، فقد كانت إلى جانب روسيا الجهتين الوحيدتين في العالم اللتين رفضتها التوقيع على ميثاق لتنظيم الاستخدام العسكري لهذا المجال.
وقد سبق لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وسلفه نفتالي بينت أن توعدا بتحويل (إسرائيل) إلى “قوة عظمى” في مجال الذكاء الاصطناعي. وقد دعا نتنياهو مؤخرا إلى جلسة استشارات واسعة يشارك فيها ممثلون عن المؤسستين العسكرية والاستخبارية والقطاع الخاص للتباحث حول استنفاذ الفرص العسكرية والأمنية والاقتصادية الكامنة في توظيف الذكاء الاصطناعي.
ولا يرجع الحرص الإسرائيلي على توظيف الذكاء الاصطناعي في المجالات العسكرية والاستخبارية فقط إلى الرغبة في جعل الجهد الحربي أشد فتكا وجمع المعلومات أكثر دقة، بل أيضا يرتبط هذا التطور بالتحولات التي طرأت على المنظومة القيمية للمجتمع الإسرائيلي، وعلى وجه الخصوص، تراجع الدافعية لأداء الخدمة العسكرية في أوساط الشباب اليهودي.
فتراجع الدافعية لأداء الخدمة العسكرية أفضى إلى نقص كبير في القوى البشرية التي يفترض أن يقع على عاتقها أداء الجهد الحربي والاستخباري مما فاقم الحاجة إلى التوسع في توظيف التقنيات المتقدمة والسايبر والذكاء الاصطناعي للتعويض عن هذا النقص.
ويتوقع على نطاق واسع أن تفضي التعديلات القضائية التي تعكف عليها حكومة نتنياهو إلى اضطرار الجيش إلى التوسع أكثر في توظيف الذكاء الاصطناعي والأشكال الأخرى من التقنيات المتقدمة، على اعتبار أن الكثير من ضباط وجنود الاحتياط في الجيش الإسرائيلي باتوا يعبرون عن احتجاجهم على التعديلات القضائية عبر رفض أداء الخدمة العسكرية.
على كل الأحوال، توجه جيش الاحتلال إلى التوسع في توظيف الذكاء الاصطناعي، سيضمن مزيد من التغيير على ساحة المعركة مستقبلا، وهو ما يفرض على الدول والأطراف التي في حال عداء مع إسرائيل إلى التحوط واستخلاص العبر ومحاولة الإفادة من هذه التقنيات في مراكمة القوة العسكرية، أو على الأقل توظيفها من أجل تقليص قدرة (إسرائيل) على استنفاذ الطاقة الكامنة في الذكاء الاصطناعي في الحروب والمواجهات القادمة.
كما أنه حتى الدول العربية والإسلامية التي، ترى أنظمة الحكم فيها، أنها ليست في حالة عداء مع (إسرائيل)، مطالبة بإعادة صياغة إستراتيجيتها العسكرية بحيث تستنفذ الطاقة الكامنة في الذكاء الاصطناعي، فقد باتت هذه التقنية مركبا مهما من المركبات التي تضمن مراكمة القوة.