أكد المدير العام لرابطة "برلمانيون لأجل القدس" محمد مكرم البلعاوي، أن عمليات التطبيع بين دول عربية و(إسرائيل)، قد تسببت في "تأثير ضخم" على القضية الفلسطينية، وتحديدًا في زيادة معدلات التهويد والاستيطان في مدينة القدس، بالإضافة إلى تصاعد اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى برعاية رسمية.
وفي حوار مع صحيفة "فلسطين"، قال البلعاوي: إن سياسة الاحتلال الإسرائيلي، وخاصة رئيس حكومة المستوطنين الفاشية بنيامين نتنياهو، تعتمد على فكرة "السلام المجاني" مع الدول العربية والإسلامية، وذلك على أساس مبدأ "السلام مقابل السلام".
وأضاف أن نتنياهو، الذي يترأس حكومة من ائتلاف اليمين المتطرف، لا يتطلع إلى تقديم تنازلات مقابل التسوية مع العرب والمسلمين، بل يسعى إلى مرحلة يجد فيها الفلسطينيون أنفسهم في وضع يضطرون للموافقة على الواقع الذي يتم فرضه عليهم بدون أن يحصلوا على مقابل ملموس لتنازلات الدول المطبعة.
وأوضح أن هذا السيناريو الذي يسعى نتنياهو لتحقيقه يهدف إلى حرمان الفلسطينيين من إقامة دولة خاصة بهم، وبدلاً من ذلك يكونون فقط مقيمين على أرض فلسطين التاريخية دون أن يحصلوا على حقوق المواطنة والمشاركة السياسية، وهذا يعني أن مصيرهم قد يتجه نحو مستقبل مظلم، إذ يتعرضون لخطر الترحيل نتيجة الضغوط المستمرة وحملات التطهير العرقي التي يشنها المستوطنون بالتعاون مع جيش الاحتلال.
اقرأ أيضاً: تقديرات.. واشنطن تسعى لربط التطبيع مع السعودية بالنووي الإيراني
ونبه البلعاوي على أن سياسات التطبيع العربية تسهم بشكل كبير في تعزيز هذا الاتجاه، وبالرغم من الادعاءات بأنها تهدف إلى تحقيق مصالح الفلسطينيين، إلا أن هذه الادعاءات عارية عن الصحة تمامًا، بل تكشف بوضوح ضيق الرؤية وعجز الإرادة السياسية للدول المطبعة.
وقدّر أن الأضرار الناجمة عن هذه الخطوات لن تقتصر على الشعب الفلسطيني وحده، بل ستمتد تأثيراتها إلى جميع أنحاء المنطقة، بما في ذلك الدول التي سلكت مسار التطبيع.
وأمضت أربع دول عربية - الإمارات، والبحرين، والسودان، والمغرب اتفاقيات تطبيع مع (إسرائيل) في عام 2020، وتُعرف هذه الاتفاقيات باسم "اتفاقيات أبراهام"، وتمت بوساطة أمريكية.
خطر جدِّي
وأشار البلعاوي إلى أن قضية اقتحام المسجد الأقصى تمثل تهديدًا بالغ الخطورة، إذ تُنذر بتجاوز حدوده وتهويد مكانة هذا المسجد الذي يعتبر من أقدس المقدسات للمسلمين، ويُعَدُّ "العمود الفقري" لقضية فلسطين، وبالتالي، يعدُّ استمرار اقتحام المسجد ومحاولات تهويده خطرًا جديًّا يُهدد الفلسطينيين وكذلك باقي المسلمين، الذين يشكلون اليوم نحو ربع سكان العالم.
وأوضح أن أي تعرض للمسجد الأقصى قد يشعل موجات من عدم الاستقرار على الصعيد الإقليمي والدولي، ما قد يؤثر سلبيًّا على السلم العالمي الذي أُنشِئت الأمم المتحدة للحفاظ عليه.
وبيَّن أن اقتحامات جماعات المستوطنين للمسجد الأقصى تأخذ اليوم منحنىً أكثر خطورة، إذ يتم ذلك برعاية حكومية رسمية وبوجود الاحتلال الإسرائيلي داخل أروقته ومرافقه، وبالتالي تآكل الوصاية الأردنية على هذا المسجد.
وبخصوص هذا الأمر، أكد أن رابطة برلمانيون لأجل القدس، التي تأسست في العام 2015 وتضم اليوم نحو 1500 برلماني حالي وسابق، من كل أنحاء العالم، تكرّس جهودها بشكل دائم لتوجيه الانتباه إلى التطورات الحاصلة في المسجد الأقصى والتحذير منها، والضغط على المنظمات الدولية والدول المعنية للتدخل والتأثير على الاحتلال الإسرائيلي؛ بهدف وقف انتهاكاته في "أولى القبلتين".
وأفاد البلعاوي أن الهدف الرئيس للرابطة، التي اتخذت من مدينة إسطنبول مقرًا لها، هو منع أي تجاوزات تهدد سلامة المسجد الأقصى، وذلك من خلال توجيه النداءات الدولية والضغوط الدبلوماسية، لضمان احترام حقوق الفلسطينيين والحفاظ على الوضع القائم في هذا الموقع المقدس.
وبهذا السياق، وجّه نداءً إلى جميع أعضاء البرلمانات حول العالم للتوحد والتضامن من أجل دعم شعب فلسطين، إذ أكد أن تحقيق السلام والعدالة والحرية للفلسطينيين يمثل أساسًا لتحقيق الاستقرار والسلام العالميين. وأضاف أن عدم تحقيق هذه الأهداف سيعني تكرار هذا النموذج في مناطق أخرى.
تحقيق العدالة
وأشار إلى أهمية أن يتحد جميع أعضاء البرلمانات بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية، من أجل تحقيق العدالة الفعلية في فلسطين، وذلك من خلال ممارسة الضغوط على الاحتلال الإسرائيلي، وتحقيق تقدم ملموس على الأرض، بدلاً من الاكتفاء بالشعارات.
وأضاف أنهم يسعون دائمًا للتنسيق والتعاون المستمر مع أعضاء البرلمانات من الدول العربية والإسلامية وأوروبا وأمريكا اللاتينية، وأن جهودهم تتنوع بين الجوانب الإعلامية والسياسية والقانونية، إذ يعملون على نشر الوعي حول الأحداث الجارية في المسجد الأقصى، من خلال إصدار بيانات وتقارير، والتواصل مع النواب، وتنظيم ندوات لبحث ومناقشة هذه القضية، بهدف اتخاذ مواقف واضحة وصريحة تجاهها.
وبيّن أن الجهود قد لا تؤدي دائماً إلى تحقيق مكاسب مباشرة في هذا المجال، ولكن يمكن لهم أن يلعبوا دورًا في تقليل الأضرار. فمثلاً، يعملون على التواصل مع الدول التي انخرطت في التطبيع مع (إسرائيل)، وذلك من خلال أعضاء رابطة "برلمانيون لأجل القدس" الذين يشغلون مناصب ويترأسون اللجان المختلفة في برلمانات هذه الدول؛ بهدف تحفيز حكوماتها على عدم الميل نحو التطبيع "بلا مقابل"، وعلى اتخاذ خطوات تساعد في دعم صمود الفلسطينيين، والحفاظ على المسجد الأقصى.
كما أشار إلى أن عمل الرابطة لا يقتصر على قضية القدس فقط، بل يشمل أيضًا دعم الشعب الفلسطيني في سعيه نحو الحرية والاستقلال وإقامة دولته المستقلة.
وخلال حديثه، استعرض المتحدث سلسلة من الزيارات التي قامت بها الرابطة إلى دول عربية وإسلامية وأوروبية وفي أمريكا اللاتينية، وتركّزت هذه الزيارات عامة على توجيه التنبيه للتطورات في المسجد الأقصى والقدس المحتلة، وأشار إلى أن الرابطة تنظم ندوات إلكترونية ووجاهية، بالإضافة إلى عقد ندوات صحفية، وتسعى جاهدة لنشر رسائلها على منصات التواصل الاجتماعي، وتتيح محتواها عبر موقعها الإلكتروني بثماني لغات مختلفة، للوصول إلى جميع أنحاء العالم.
وأكد أن المؤتمر السنوي للرابطة يُعدُّ واحدًا من أبرز فعالياتها، إذ يُجمع مئات النواب من مختلف أنحاء العالم، وقد أُقيم آخر نسختين من هذا المؤتمر في ماليزيا وتركيا على التوالي.
وتحظى الرابطة -كما تفيد عبر موقعها الإلكتروني- بعضوية مراقب في اتحاد مجالس الدول الأعضاء بمنظمة التعاون الإسلامي، والاتحاد البرلماني الإفريقي، والمنظمة العالمية للبرلمانيين ضد الفساد، والاتحاد البرلماني العربي، والجمعية البرلمانية الآسيوية.
وتهدف إلى خلق تيار برلماني عريض يدعم الحق الفلسطيني بالحرية وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس، من خلال جمع جهود البرلمانيين، وتطوير الآليات لخدمة القدس وفلسطين في البرلمانات والمؤسسات القانونية، وفق مقررات الأمم المتحدة ومبادئ حقوق الإنسان التي أقرتها القوانين والأعراف الدولية.
وبشأن أهداف الرابطة في المستقبل، أكد البلعاوي أنها لا تريد أن تكون تحركاتها مجرد حالة موسمية، بل تسعى جاهدة إلى أن يكون لها تأثير حقيقي على الواقع، بما ينعكس إيجابيًّا على الأوضاع لصالح الفلسطينيين.
وعبّر عن رغبتهم في أن يكونوا حاضرين في كل مؤسسة دولية، وأن يكون أعضاؤهم ممثلين في كل برلمان حول العالم، وهدفهم هو نشر ثقافة العدالة والحوار والقانون والحق، وبالتالي جعل العالم مكانًا أفضل وأكثر سلامًا.