فلسطين أون لاين

السلطة برام الله استقطعت 666 مليون دولار منذ 2017

تقرير من 1800 إلى 370 شيقلًا.. منتفعو "الشؤون" يصرخون: "من حقنا أن نعيش"

...
منتفعو "الشؤون" يصرخون: "من حقنا أن نعيش"
غزة/ يحيى اليعقوبي:

تحولت حالة الفرح التي غمرت قلب المسنة آمنة سالم (62 عامًا) وأولادها الخمسة مع إعلان صرف دفعة مخصصات الشؤون الاجتماعية، إلى حالة حزن وصدمة عندما وصلت إليها رسالة هاتفية تفيد بأن دفعتها تبلغ 370 شيقلًا بدلًا من 1800 شيقل.

نظرت إليها باتساع عينيها لا تصدق ما تراه، في لحظة داهمتها دموعٌ في أثناء التفاف أولادها حولها الذين قرؤوا الرسالة بالصدمة نفسها، فواست نفسها بجرعة أمل: "يمكن غلطانين، خلونا بكرا نشوف البنك!".

لم يختلف الأمر في البنك، فكانت "أم حاتم" واحدة من 18 ألف منتفع من الشؤون الاجتماعية استلموا مبلغ 370 شيقلاً بدلاً من 750 – 1800 شيقل، فعادت إلى بيتها بوجه شاحبٍ وبفرحة مكسورة، هذه المرة تساقطت دموع أبنائها من شدة الصدمة أيضًا.

"الله يعلم بالحال" لا تلخص تلك الجملة التي قالتها "أم حاتم" التي تسكن بمخيم المغازي وسط قطاع غزة واقعها فقط، وإنما هذه حال يعيشها منتفعو الشؤون الاجتماعية، ينطلق الوجع من صوتها لصحيفة "فلسطين": "عندي خمسة أولاد، أحدهم بالجامعة والبقية طلبة مدارس، وزوجي متعطل عن العمل، ولو ترى بيتنا الناس تنام في الشتاء وأنا أقشط مياه الأمطار التي تدلف من السقف (أسبست)، تملؤه الثقوب، ولا يطاق العيش فيه بالصيف".

ومنذ 2017 بدأت السلطة في تقليص دفعات الشؤون الاجتماعية التي كانت تصرف بواقع أربع دفعات سنويًا (مرة كل ثلاثة أشهر) إذ صرفت في ذلك العام ثلاث دفعات، وخلال الفترة ما بين 2018 – 2020 صرفت دفعتين فقط في كل عام، وعام 2021 لم تصرف أية دفعة بزعم عدم تحويل الموازنة من الاتحاد الأوروبي، وعام 2022 الذي تخلله الكثير من الوعود والتسويف صرفت دفعة واحدة.

ومنذ بداية العام الحالي صرفت وزارة التنمية الاجتماعية دفعتين حتى اللحظة، ويقدر ممثلون عن منتفعي الشؤون الاجتماعية لصحيفة "فلسطين" أن قيمة المبالغ المستقطعة منذ عام 2017 من دفعات "الشؤون" تبلغ 2 مليار ونصف المليار شيقل (666 مليون دولار أمريكي).

اقرأ أيضاً: الاستقطاع من مخصصات الشؤون الاجتماعية يفجر غضبًا في أوساط المنتفعين

وبحسب المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي في الأراضي الفلسطينية المحتلة شادي عثمان، فإن الاتحاد صرف منحته كاملة لمخصصات الشؤون الاجتماعية وقيمتها 22 مليون يورو تغطي 71 ألف أسرة، في حين تتكفل السلطة بتغطية 40 ألف أسرة من إجمالي المستفيدين البالغ عددهم 110 آلاف أسرة، منهم نحو 80 ألف مستفيد بقطاع غزة.

وأكد عثمان لصحيفة "فلسطين" أن الاتحاد الأوروبي يراقب عملية وصول المخصصات للأعداد التي يتكفل بها الاتحاد، لكنه لا يتدخل بآلية صرف السلطة للمبالغ التي تغطيها للنسب المتبقية، مؤكدًا أن الاتحاد لن يغطي أي قيمة بأثر رجعي عن الدفعات التي لم تصرف سابقًا، وأنه يلتزم حاليا بانتظام الدفعات.

 

ديون متراكمة

أمام "الكارثة" التي حلت بها وكما يصفها منتفعو الشؤون الاجتماعية بـ"مجزرة الاستقطاع" لجأت "أم حاتم" إلى سداد الديون بمبالغ زهيدة فأعطت صاحب البقالة 70 شيقلاً، بدلا من دفع إجمالي الحساب البالغ 200 شيقل، وتخشى أن يغلق الدفتر عليها بشكل دائم، بينما تقف حائرة أمام طلبات ابنها بدفع رسوم الجامعة، وكسوة البقية للمدارس.

يتدفق القهر من قلبها بلهجة عامية "ليش بعملوا فينا هيك؟ حرام عليهم، احنا من حقنا نعيش زي الناس، لوكتيش راح يستمر الظلم؟ ايش نسوي نتسول بالطرقات؟".

إن كانت أم حاتم واجهت الموقف بالبكاء، فإن قدميْ إيمان عباس (43 عامًا) التي تعاني خشونة في المفاصل، لم تستطع حملها لحظة وصول الرسالة الهاتفية التي تفيد بأنها ستتقاضى 370 شيقلا بدلاً من 750 شيقلاً كما كانت تحصل سابقًا، فانهارت معها على الأرض.

تعيش عباس في منزل بالإيجار بمخيم النصيرات مع أولادها الثلاثة، أكبرهم يبلغ من العمر (21 عامًا) وهي منفصلة عن زوجها، ومنذ استلامها المخصص تقوم بتمزيق ورقة الدين كلما حاولت توزيع المبلغ البالغة قيمته 370 شيقلاً على قائمة التزاماتها، تحتار مع من تبدأ ومن تؤجل؟ وكم تعطي هذا وكم تخصص لذاك؟ وفي كل مرة تضع كفيها على وجنتيها بملاح العجز والقهر.

تقول لصحيفة "فلسطين" عن لحظة تلقي الرسالة بصوت تثقله الهموم: "ارتميت على الأرض وأخذت حقنة، لأنني أصبت بصدمة كبيرة، بالوضع الطبيعي بالكاد نستطيع تدبير أمورنا بالدفعة البالغة 750 شيقلاً، فكيف حالنا سيصبح بعد خصم نصف القيمة تقريبا؟ الوضع مأساوي". 

وتتابع بصوت مقهور: "ربنا أعلم بحالنا، نحن مرضنا بسبب قلة الغذاء، فالفاكهة نشتم رائحتها في الأسواق ولا نشتريها، ولو اشترينا الدجاج مرة في الأسبوع فإنه يكون هذا في أفضل حالنا (..) انتظرت أن تأتينا 750 شيقلاً لنرتب أمورنا في الأكل والشرب، فوصل إلينا الفتات. بصدق تعبنا".

 

حال تعطل

أما مريم المغربي (54 عامًا) فهي على موعد مع إجراء مراجعة طبية في مستشفى المقاصد بالقدس في 20 آب/ أغسطس الجاري لإجراء "مسح ذري" بعد أخذها لجرعات كيماوي للسرطان بغزة، وكانت تنتظر أخذ ما يكفيها للتنقل (مواصلات) من دفعة زوجها البالغة 1800 شيقل كما جرت العادة، لكن حالها تعطل ولا تعرف كيف ستذهب للقدس بعدما استقطعت وزارة التنمية الاجتماعية برام الله 1430 شيقلا من زوجها.

منذ خمسة عشر عاما يعتمد زوجها صبحي المغربي على الدخل الوحيد من مخصص الشؤون الاجتماعية، "لا أعرف ماذا نفعل، لدينا ديون على الصيدليات بسبب المسكنات التي تحصل عليها زوجتي لتخفيف ألم المرض، وهي مريضة قلب وسكري، ولدي أولادي وهناك ديون"، يقول المغربي لصحيفة "فلسطين". 

واتهم المغربي وهو المتحدث باسم الهيئة العليا للمطالبة بحقوق منتفعي الشؤون الاجتماعية، السلطة بالتلاعب بملف منتفعي الشؤون الاجتماعية تحت "حجج وذرائع واهية" وأنها "تتفنن باختلاق الأكاذيب".

وبحسب المغربي، فإن الاتحاد الأوروبي يتكفل بتغطية 71 ألف عائلة، وتقوم السلطة بصرف دفعات لنحو 40 ألف عائلة آخرين، أي أن مساهمة السلطة تقدر فقط 17%، مؤكدًا أن السلطة استقطعت 1800 شيقل من 18 ألف أسرة بمبلغ إجمالي يصل إلى 23 مليون شيقل، أي أنها دفعت ربع قيمة ما كانت تصرفه.

وأوضح أن عدد المستفيدين في قطاع غزة يبلغ 81 ألف أسرة، شطبت السلطة 6 آلاف اسم منهم لحصولهم على تصاريح عمل بالداخل المحتل، و4 آلاف اسم يستفيدون من المنحة القطرية.

ويعتقد المغربي أن السلطة تريد طي ملف الشؤون الاجتماعية وجعله يقتصر على فئة كبار السن وتسعى لشطب أعداد كبيرة لكي تفرض سياسة الفقر والجوع على غزة.

من ناحيته، حذر مدير الوحدة الاقتصادية والاجتماعية بالمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان فضل المزيني من تداعيات خطيرة من جراء استقطاع مبالغ مالية من منتفعي الشؤون الاجتماعية، تؤدي إلى زيادة نسبة الفقر في القطاع، وتصبح تلك الأسر غير قادرة على توفير أدنى مقومات الحياة الأساسية من صحة وتعليم ونحن على أبواب افتتاح موسم المدارس، ويتطلب أن تزداد أعداد الأسر المستفيدة وليس تقليصها.

وشدد المزيني لصحيفة "فلسطين" على ضرورة انتظام صرف الدفعات بالمبالغ كاملة حسب القيمة المرصودة، مؤكدًا أن الخلل في صرف المخصصات انعكس بشكل كبير وكارثي على تلك العائلات التي باتت تفتقر لأدنى مقومات الحياة.

ويعاني 56.6% من السكان في قطاع غزة انعدام الأمن الغذائي، في حين يعيش نحو 80% من السكان تحت خط الفقر، بحسب بيانات الجهاز المركزي الفلسطيني للإحصاء، ويبلغ عدد المتعطلين عن العمل نحو ربع مليون عامل.