قائمة الموقع

"مُكرم عوض" رحلة فقد وعُسر مادي.. وحلم تحقق

2023-08-17T09:51:00+03:00
مكرم عوض

كان لوفاة طفلها "عمرو" على سرير المستشفى بعد تشخيص وعلاج خاطئين، كان نقطة تحول في حياة مُكَرم عوض.

حيث عاشت الأم عدة أشهر من التخبط والتيه بعد فقدان ابنها البكر في عمر الخامسة، حتى قررت معاودة الرجوع إلى مقاعد الجامعة طالبة في كلية التمريض، علها تحمي أي طفل من أي خطأ طبي ولكيلا تذوق مرارة الفقد مرة ثانية.

مرت السنوات وحلم مُكرم لم يخفت فقاومت لأجله كل الظروف النفسية والمادية القاسية دون أن تلتف خلفها ماضية نحو تحقيق هدفها، لكن سنوات الدراسة الأربع في الجامعة الإسلامية لم تمضِ بسهولة، إذ ذاقت فيها مرارة الفقد مرة ثانية بطفلها "محمد" ذي الست سنوات.

وقفت الأم على منصة التخرج الجامعي قبل أيام محدثة الحضور عن قصة صمود ملهمة، ومعاناة "تهد الجبال" كما وصفتها في فيديو انتشر لها عبر شبكات التواصل الاجتماعي.

بدت الأم لستة من الأبناء مرهقة وهي تخرج ما اختزنت به ذاكرتها المتعبة من تفاصيل عصرت قلبها لتتوجها بشهادة التخرج التي طالما انتظرتها ببالغ الشوق.

تحدثت مُكرم لـ"فلسطين" عن رحلتها التي عصفت بها رياح العُمر، قائلة: "في عام 2006 التحقت بكلية أصول الدين، وحصلت على منحة من الجامعة الإسلامية طيلة الأربع سنوات، وأعقبتها بدراسة دبلوم تربوي من كلية التربية".

بعدها تزوجت مُكرم ومرت السنوات وأنجبت "عمرو"، وحينما أصبح في الرابعة والنصف من عمره أصيب بالتهاب رئوي، وأعطي حقنة لا تناسب حالته الصحية لخطأ تشخيصي، فتدهورت حالته، ولعدم وجود غرفة عناية مركزة في المستشفى نقل إلى مستشفى آخر، "كل هذا الوقت لم أكن أعلم مدى الخطورة التي يعيشها طفلي".

وقفت مُكَرم على باب غرفة العناية المركزة، منكسرة عاجزة عن أي فعل شيء، تنتظر من يبرد قلبها بأي كلمة عن حالة طفلها الصحية، وإذ بالممرضة تخرج من الباب، هرعت الأم المكلومة خلفها تسألها بلهفة "كيف ابني"، لينزل رد الممرضة كالسهم في قلب مُكَرم "إن شاء الله يعيش".

بعدها بدأت مُكرم تدرك الحقيقة التي أدت إلى تدهور حالة "عمرو"، ولكن الوقت قد نفد لأن عمرو لم يكمل عشرين يومًا حتى توفاه الله.

الفاجعة الثانية

هنا قررت مُكرم أن تسلي وتواسي نفسها بإنجاب طفل غيره، فرزقت بذكرين وثلاث إناث، مرت السنوات تُصر على تحقيق حلمها في دراسة التمريض، رغم قسوة ظروف حياتها فزوجها عاطل عن العمل لظرف صحي يعاني منه، ولكن بمساعدة أهل الخير استطاعت الالتحاق بكلية التمريض.

كانت مُكرم تدرس التمريض دون تهاون في المذاكرة لأطفالها الذين أوصلتهم إلى أعلى مراتب التفوق، فجميعهم من الأوائل في فصولهم الدراسية.

خلال تلك السنوات فجعت مُكرم بوفاة طفلها محمد، "كان موعد الاختبارات النهائية لمحمد وتوأمه ميار، كنت منهمكة في مراجعة مادة الرياضيات لميار، حينها قاطعني "محمد" قائلًا وحبيبك محمد متى ستذاكرين له، حينها تركت ميار وتفرغت للمذاكرة له".

وتردف: "كان محمد يتمتع بذكاء عالٍ، أمضيت في تدريسه حتى اشتكى من صعوبة في التنفس، وطلب مني أن أحمله، وبالفعل حملته وهرعت به إلى المستشفى وتوفي بين يدي، مر عام على وفاته وحتى اليوم لا أتوقف عن بكائه".

دفنت مُكًرم محمد، وبعد أربعة أيام ذهبت لتقديم اختباراتها النهائية لسنتها الثالثة في التمريض، وفي اليوم الثاني لدفنه ذهبت ميار وحيدة لاجتياز اختبارات العام النهائية، كبقية إخوته وكم آلامها يوم عادت إليها تحمل بيد شهادة تفوقها وفي الأخرى شهادة شقيقها.

قبل أسبوع حصلت مُكرم على شهادة تخرجها من الجامعة، برفقة طفلاتها الثلاث وابنها الجديد، وكم تمنت أن يكون محمد وعمرو بجانبها تضمهم إلى حضنها.

رضى وحلم

تؤكد مُكرم أنها راضية بقضاء الله وقدره، ومؤمنة بأن الله سيعوضها خيرًا عن كل أذى عاشته في حياتها، يساورها حلم الحصول على وظيفة بعد أن غدت ممرضة لتكون بلسمًا للأطفال وهم على أسرّة الاستشفاء.

أمام هذا الحلم تقف مُكرم عاجزة عن تحرير شهادتها الجامعية، إذ يتعين عليها دفع الرسوم الجامعية المترصدة عليها لتتمكن من استلام الشهادة والتقدم لوظائف في تخصصها، بسبب ظروفها المادية الصعبة.

تختم حديثها برسالة لكل الأمهات: "مهما بلغت بك الصعاب، وامتلأ طريقك بالأشواك، وظننت أن الأبواب كلها مقفلة في وجهك وذقتي الفقر والفقد، لا تستسلمي، ولا ترضي بغير القمة، وألحّي على الله بالدعاء".

اخبار ذات صلة