فلسطين أون لاين

الاستيطان الرعوي يستنزف وجودهم

تقرير 40 أسرة تكافح لأجل البقاء والأمان في وادي السيق

...
وادي السيق
رام الله/ غزة – فاطمة الزهراء العويني:

آلاف الدونمات في "وادي السيق" باتت في مهب ريح الاستيطان الإسرائيلي، فلم يعد يعرف سكانه الراحة ليلًا أو نهارًا بسبب اعتداءات المستوطنين، حتى أضحت حياتهم ضربًا من العذاب، يفتقدون الأمان بسبب الخوف على الأنفس والأبناء ومنع البناء وغيرها من الانتهاكات.

"تغير شكل الحياة في وادي السيق تمامًا"، بهذه الكلمات تفوه عبد الرحمن كعابنة عند سؤاله عن واقع الوادي الذي ولد وترعرع واستقر فيه أجداده بعد أن هُجروا مرتين الأولى عام 1948م من تل عراد جنوب الخليل والثانية في سبعينيات القرن الماضي من عين العوجا في الأغوار.

انقلاب تام

استقر الأمر بعائلة كعابنة في الوادي الذي يقع إلى شرق قرية دير دبوان قضاء رام الله على طريق "ألون" الالتفافي الاستيطاني والذي يصل شمال فلسطين بجنوبها، تحدهم مستوطنات "معاليه مخماس" و"ورمونيم"، ويبلغ تعدادهم زهاء 200 نسمة موزعين على أربعين أسرة.

يقول: "منذ بداية استقرارنا في الوادي يقف الاحتلال لتوسعنا المعماري بالمرصاد. بيوتنا إما خيام وإما بركسات سواء خشبية أو من الصفيح. أُمطرنا بالمخالفات وأوامر الهدم -بحجة أن المكان أثري- التي استنفذت أموالنا بين جنبات محاكم الاحتلال لتأجيل الهدم".

ولم تكن الحياة يومًا في الوادي سهلة، "لكننا كنا نتحصل على قوت يومنا من الرعي الذي هو مهنتنا الأساسية حيث كانت تتوافر لنا مراعي مساحتها ستة آلاف دونم نستأجرها من ملاكها ونزرعها بالقمح والشعير، في منطقة مليئة بآبار المياه، الأمر الذي ساعدنا على التشبث بالأرض برغم الخنق الإسرائيلي ومنع البناء"، وفق كعابنة.

فمنذ شهر فبراير/ شباط من العام الحالي انقلبت الحياة تمامًا بعد أن جاء أحد المستوطنين الرعاة للمنطقة وبنى خمسة بيوت بالقرب من وادي السيق حيث يمتلك قرابة ثلاثمئة رأس غنم، واستولى على المراعي والمياه ومنع الفلسطينيين منها، "أصبحنا نشتري الأعلاف بأسعار باهظة الثمن، لم يعد للرعي أي جدوى اقتصادية بالنسبة لنا".

اليوم يشتري كعابنة وأهل الوادي طن الشعير بثمانين شيقلًا وطن النخالة بخمسين شيقلًا وكيس أعلاف التسمين بـ125 شيقلًا، أما المياه فيملؤون الخزان بـ120 شيكلًا، "يوميًا نحتاج إلى قرابة ثلاثمئة شيقل لإطعام مواشينا، ما دفع البعض لبيعها والتخلص منها".

سرقات واعتداءات

ولا يقتصر الأمر على هذا الحد بل إن المستوطن حشر أهل الوادي ومواشيهم في مساحة نصف كيلومتر فقط لا يسمح لهم بالخروج منها، "مواشينا تنتشر بين البيوت، ويا ليته اكتفى بذلك، بل إنه يعتدي علينا ليلًا ونهارًا، قبل يومين فقط صادر مولد كهرباء وبطاريات الطاقة الشمسية من مدرسة الوادي"، تقول هاجر كعابنة.

وتلفت هاجر (50 عامًا) إلى أن المستوطن و"زواره" يزعجون أهل الوادي ليلًا ونهارًا، ويسرقون المواشي ويخيفون الأولاد الصغار، ويقتحمون البيوت وأهلها نيام، "يعيثون فسادًا ليلًا، يتلفون الأعلاف، ويسكبون خزانات المياه، وإذا اشتكينا لقوات الاحتلال حتى لو كنا قد تعرضنا للضرب والإصابة فإنهم يعتقلوننا نحن لا المستوطنين!".

وتمضي بالقول: "لم يعد للأمان مكانًا في الوادي، فإذا أراد أحدنا النزول إلى السوق القريب لنا في دير جرير، يظل قلبه مشغولًا بمن تركهم وراءه. المسافة بينا وبين السوق قرابة خمسة عشر كيلومتر، فنضطر للغياب لبعض الوقت ولا نأمن على أبنائنا ماذا يمكن أن يحصل لهم في غيابنا؟".

وحتى طريق المدرسة الذي رصفه أهالي الوادي بجهود ذاتية، يزاحمهم المستوطنون عليه ولم يعودوا يستطيعون استخدامه خشية تعرضهم للمارة، "كما يطلقون المواشي بين بيوتنا، ويسقونها من صهاريج المياه، وإذا ما تعرضنا لهم وطردناهم نواجه عقوبات شديدة من الاحتلال".

وتلفت إلى أنها لا تزال تعاني من آثار الضرب الذي تلقته وزوجها وأبناؤها الثلاثة على أيدي المستوطنين، الأمر الذي أصابها بكسور في يديها ونزيف في الدماغ رقدت في إثره لفترة طويلة في المشفى.

وتقول: "لا أزال حتى اليوم أعاني من صعوبة في تحريك يديّ، اقتحموا منزلنا واعتدوا علينا بالضرب ولم يكتفوا بذلك بل اعتقلوا أبنائي الثلاثة، ودفعنا كفالة 18 ألف شيقل لإخراجهم. إنها قمة الظلم".