نشر مدرس اللغة الدينية بالقدس المحتلة عبد الرحمن مريش إعلانًا قبل عامين ونصف، يدعو فيه أهالي القدس المحتلة إلى إرسال أطفالهم لحضور البرامج التربوية الدينية داخل باحات المسجد الأقصى، والتي أطلق عليها اسم "الأقصى يجمعنا"، حضر اللقاء الأول 200 شخص، ولا زالوا مستمرين في الحضور حتى اليوم، مجسدين شكلاً جديدًا من الرباط وتعزيز الانتماء والارتباط بالأقصى لدى جيل الأطفال.
يتطوع "مريش"، مدرس التربية الإسلامية، لتقديم برامج دينية متنوعة للأطفال في باحات المسجد الأقصى، بهدف تحفيزهم على الرباط في المكان المقدس، من خلال تعلم القرآن وتحفيظه وتلاوته، حتى باتت تلك الحلقات تحت مجهر ومراقبة مخابرات الاحتلال التي وضعت شروطًا عديدة للسماح بها، ومنعتهم قبل أشهر من القيام بأي أنشطة صباحية خلال فترة اقتحام المستوطنين للأقصى.
اقرأ أيضاً: "عفانة": الأقصى في خطر حقيقي يستوجب الرباط والمقاومة لحمايته
لمعت الفكرة في وجدان المعلم "مريش" عندما شعر بجهل الأطفال بالكثير من المعلومات البسيطة عن الأقصى بسبب حذف كل ما يتعلق بالأقصى من المنهاج التعليمي في القدس المحتلة، خاصة بالمدارس التي يشرف عليها الاحتلال، فيقول لصحيفة "فلسطين": "كان الهدف ذاتيًّا وفرديًّا، من خلال التربية الدينية للأطفال، وتعريفهم بكل المعلومات التي تخص الأقصى".
غرس الانتماء والحب
يوميًّا، بعد الساعة الثالثة عصرًا، يعود المعلم مريش من عمله، ليجتمع بالأطفال في باحات المسجد الأقصى، فيشكلون حلقة دائرية مكونة من عشرات الأطفال، وتقدم فيها محاضرات دينية متنوعة، معتقدًا، أن هذه البرامج تزرع في الطفل الأخلاق الإسلامية، وتغرس فيهم حب الأقصى.
ولا يغفل مريش الجانب الترفيهي في برامجه، فقبل أسبوعين انتهى من تنظيم مخيم صيفي شارك فيه 250 طفلاً، تنوعت برامجه بين أنشطة ترفيهية وثقافية وتعليمية ورياضية، يردف: "إننا ندخل جانب التسلية حتى لا يمل الأطفال".
ومنذ اللحظات الأولى لبدء البرنامج بدأ التضييق من مخابرات الاحتلال، ولم ينتهِ حتى اليوم، يوضح "استدعيت لمقابلة المخابرات وحددت لي ثلاثة شروط للسماح باستمرار الحلقات، الأولى بمنع التكبير، وعدم التواجد بالفترة الصباحية أوقات اقتحامات المستوطنين، وعدم رفع شعارات أو رايات".
لم يتخيل مريش حجم الشغف والحماس الذي يشعر به أهالي القدس تجاه هذه البرامج التعليمية والدينية داخل المسجد الأقصى، تجلت صورة هذ الارتباط عندما تعرض لضغوط كبيرة قرر على أثرها تعليم البرامج لأحد الأشخاص أو إنهائها، فكانت ردة فعل الأهالي رافضة لقراره.
يستذكر "اعتبروا قراري إنهاء البرامج خسارة كبيرة، خاصة أنني كسبت حب الأطفال، تفاجأت بقدوم الأطفال إلى منزلي، وهذا جعلني أشعر بالفرح، وشحذ همتي للمواصلة".
وتتنوع الدروس التي يقدمها مريش بين تعليم القرآن والعقيدة والتوحيد، وحب المسجد الأقصى، وفي كل درس يغرس فيهم الآيات القرآنية التي تتحدث عنه، إضافة إلى التنقل بين الساحات والمصليات؛ بهدف غرس المعلومات التي تتحدث عن الأقصى ومعايشة الأطفال لها، فضلًا عن وجود محفِّظات يتولين مهمة تحفيظ الفتيات.
منذ ثلاث سنوات تتولى المحفظة إسلام الشرباتي يوميًّا تحفيظ الفتيات آيات القرآن الكريم عدا يوم الجمعة، بهدف ربطهم بالمسجد الأقصى، وأن "يحملوا القرآن الكريم في قلوبهم".
بعد صلاة العصر تجتمع الشرباتي بالفتيات، وتستمر في تحفيظهن حتى صلاة المغرب في التوقيت الصيفي، وفي التوقيت الشتوي تستمر الحلقات حتى صلاة العشاء.
تقول الشرباتي لصحيفة "فلسطين": "إن حجم الإقبال كبير، وذلك بعد مسافة طويلة من الجهد والعطاء، والأمر لم يكن سهلًا، لكننا سنواصل بهذا التطوع والعمل".
وفي كل مرة تحاول الشرباتي الدخول إلى المسجد الأقصى، تتعرض لتضييق متعمد من شرطة الاحتلال، إلا أنها "تصبر على هذا التضييق بهدف تحفيظ القرآن للأطفال وغرسه في قلوبهم".
جزء من حياتهم
وفي أحد صور ارتباط الأطفال بالأقصى، لم ينقطع الأشقاء أسماء (15 عامًا) وعمر (12 عامًا) وعبد الله (9 أعوام) العمري عن الرباط في المسجد الأقصى عبر انخراطهم في البرامج، بالرغم من اعتقال قوات الاحتلال والدتهم الخميس الماضي.
يعتبر الأشقاء الثلاثة وهم أبناء محمد عبد الغني العمري أحد المشرفين على مشاريع الرباط في الأقصى، المسجد جزءًا من حياتهم ومستقبلهم، تعلقوا به، ويأتون إليه يوميًّا من بلدة "العيساوية".
ينقل والدهم محمد العمري بعضًا من هذا الحب الذي ورثوه منه، قائلاً لصحيفة "فلسطين: "ربما تتجلى صورة هذا الارتباط باستمرار ذهابهم للرباط بالأقصى، من خلال التواجد في حلقات التحفيظ والدروس والأنشطة رغم اعتقال أمهم، ويومًا بعد آخر تزداد معلوماتهم عن الأقصى وحبهم له".
ويعد العمري الرباط مشروع الأمة الإسلامية كلها، وأن هدف البرامج تشجيع الأطفال، خاصة أوقات العطل، وبعد الدوام المدرسي، للانخراط في البرامج يقوم بتنفيذها مرشدون ومرشدات عبر برامج دينية وترفيهية وثقافية، لربطهم بالحضارة وبالتاريخ الإسلامي.
ويحرص القائمون على البرنامج، وفق العمري، على التواجد المستمر بالأقصى سواء بالفترات الصباحية التي تشهد تضييقًا من قبل الاحتلال ومنعهم من التواجد، أو في الفترات المسائية لإرفاد المسجد بالحضور البشري على مدار الوقت، وإعطاء دور للأطفال بهذا التواجد.