يعكس اللقاء الوطني التشاوري الذي عقدته حركة حماس مع الفصائل الوطنية والإسلامية بمدينة غزة أمس بشأن إجراء انتخابات الهيئات المحلية، عن مساعٍ جادة تقودها الحركة لتلبية احتياجات الناس والاستجابة لمطالبات مؤسسات حقوقية، وإشراك الفصائل في الاتفاق على رؤية وطنية لتنظيم الانتخابات بشكل ديمقراطي. وفق ما يرى سياسيون تحدثوا مع "فلسطين".
وشددت الفصائل خلال البيان الختامي للقاء التشاوري، على ضرورة إجراء انتخابات الهيئات المحلية في القطاع، تحت إشراف لجنة الانتخابات المركزية.
وبحسب السياسيين فإن الخطوة التالية الواجبة هي أن يعلن مجلس الوزراء برام الله عن المرحلة الثالثة للانتخابات وإعطاء قرار فعلي للجنة الانتخابات المركزية لإجراء الانتخابات وتذليل العقبات القانونية والإدارية.
وعلى مدار سنوات طويلة حرم قطاع غزة من إجراء انتخابات محلية، خاصة بعد تعطيل السلطة للانتخابات عام 2016، الأمر الذي انعكس عليه تداعيات كبيرة تتعلق بعرقلة مشاريع إنسانية دولية تتعلق بالبنية التحتية في القطاع حال دون تلقي البلديات منح ومساعدات دولية، وحرمان الشرائح المجتمعية من ممارسة حقها القانوني.
اقرأ أيضاً: تقرير إشادة فلسطينية بدعوة حماس لعقد لقاء تشاوري لإجراء انتخابات الهيئات المحلية
وأكدت حركة حماس وعبر لقاءات عديدة مع الفصائل ولجنة الانتخابات جهوزيتها لإجراء الانتخابات المحلية في قطاع غزة وتذليل كل العقبات لعقدها، ولكن محاولات إجراء هذه الانتخابات بغزة تعذرت نتيجة عدم صدور موقف واضح من السلطة، في وقت أجريت الانتخابات بالضفة أعوام 2012، و2017، و2021 بالضفة، وكانت آخر انتخابات أجريت في غزة عام 2005.
مساعٍ جيدة
ورأى الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل أن المساعي لم تتوقف من مؤسسات المجتمع المدني والفصائل بشأن الحاجة لإجراء انتخابات محلية في قطاع غزة وإغلاق صفحة التعيينات، وهذا مسعى جيد يلبي احتياجات الناس وينضوي على احترام لإرادة الناس، خاصة أن غزة استثنيت أكثر من مرة من الانتخابات المحلية التي أجريت بالضفة.
ويعتقد عوكل لصحيفة "فلسطين" أن الأمور نضجت لإجراء انتخابات وربما يكون العام القادم هو المناسب لإجرائها في غزة، مشددًا "مهم الاتفاق على ألا تكون منفصلة عن الانتخابات بالضفة، كون هناك مرسوم من رئيس السلطة لإجراء الانتخابات المحلية على ثلاث مراحل وترك المجال لمرحلة تتعلق بقطاع غزة".
بالتالي يجب أن تكون الانتخابات، وفق عوكل، جزءًا من التوافق العام حتى لا تكون خطوة لتكريس الانقسام، وقال: "شاركت في لقاءات حول الأمر وسمعنا كلامًا طيبًا من المسؤولين في حماس حول الرغبة والنية لإجراء الانتخابات".
وشدد على أن التوافق العام بغزة وجهوزية لجنة الانتخابات وعدم وجود عقبات مع توجه السلطة نحو إجراءات الانتخابات الديمقراطية أمر مهم في توفير المناخات الإيجابية.
وفي ذات الوقت، رأى عوكل أن عدم إجراء الانتخابات المحلية أو تعطيلها يشكّل عاملًا آخر لإحباط الناس بعد فشل الاجتماعات العامة واللقاءات الفصائلية في إنهاء الانقسام.
ورغم أن لقاءات الفصائل التي كان آخرها اجتماع الأمناء العامين بالقاهرة نهاية يوليو/ تموز الماضي لم تنجح بإنهاء الانقسام، إلا أن عوكل رأى أن موضوع الانتخابات المحلية يختلف، لما له علاقة بالبعد الخدماتي وليست انتخابات عامة أو تشريعية.
وأضاف: "هنا لا يقف عامل الخلاف السياسي أو الحسابات الفئوية عائقًا أمام إجرائها"، معربًا عن تفاؤله بالاتجاه نحو الخطوات العملية لإجراء الانتخابات المحلية والطلابية في القطاع.
وألغت محكمة العدل العليا برام الله الانتخابات المحلية في قطاع غزة عام 2016 وتأجيلها بالضفة، بذريعة "عدم إجرائها في مدينة القدس، وعدم شرعية محاكم القطاع"، وهو ما فسره مراقبون حينها، أن التعطيل كان بسبب سقوط عدد من قوائم حركة فتح أمام لجنة الانتخابات والمحاكم بسبب طعون مقدمة، ووقتها رفضت حماس القرار وعدت قرار المحكمة "مسيّسًا".
وبعدها أصدر رئيس السلطة محمود عباس بتاريخ 9 كانون الثاني/يناير 2017، قرارًا بتعديل قانون الانتخابات، بما يتضمن تشكيل محكمة مختصة بقضايا الانتخابات المحلية؛ للنظر في استئناف قرارات لجنة الانتخابات المركزية، وهو ما عده خبراء قانونيون أنه يصب في صالح حركة فتح عند إجراء الانتخابات.
إجماع وطني
الدعوة لإجراء انتخابات الهيئات المحلية بتوافق وطني في قطاع غزة يحظى بإجماع وترحيب القوى الفلسطينية الحية، خطوة يعدها رئيس منتدى العلاقات الدولية للحوار والسياسات شرحبيل الغريب مهمة تعكس فيها حركة حماس إيمانها بمبدأ الشراكة الوطنية، وتؤكد أن الانتخابات حق قانوني دستوري وديمقراطي للمواطن الفلسطيني كي يختار ممثليه في كل الهيئات والمؤسسات العامة.
وقال الغريب لصحيفة "فلسطين": "لقاء حماس بمكونات سياسية يفسر أنه استشعار بالمسؤولية الوطنية وإيمان بالعمل وفق المجموع الوطني وإنهاء حال التفرد والإقصاء والعمل على إشراك مكونات الشعب الفلسطيني في التوافق على رؤية وطنية مشتركة لإجراء الانتخابات المحلية".
ويعتقد أن الكرة الآن باتت في ملعب السلطة أصحاب القرار بالاستجابة لهذه الدعوة والإيعاز للجنة الانتخابات المركزية البدء الفوري للتحضير لانتخابات المجالس البلدية، لكن "هذه الدعوة قابلة للاستجابة وقابلة للتهميش في نفس الوقت لاعتبارات وضع الفيتو عليها من السلطة الفلسطينية".
ويأمل أن تلقى هذه الدعوات قبولًا لدى السلطة ويبدأ قطار الانتخابات البلدية بالانطلاق قريبًا ثم تستكمل خريطة الطريق وصولًا إلى الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطني بما يضمن إعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني على أسس وطنية وديمقراطية، ويُجنب الساحة الفلسطينية المزيد من التعقيدات، وتعميق الانقسام ومأسسته.
وبعد دعوة حماس، يشدد القيادي في الجبهة الشعبية أسامة الحاج أحمد أن المطلوب استكمال الدعوة بخطوات عملية وإجراء لقاءات حتى يتم إجراؤها والتحضير لها وخلْق أجواء وبيئة مناسبة، وبحاجة إلى اتفاق وطني واعتراف من السلطة بنتائجها والتسليم بها وعدم وضع أي عراقيل لتسير العملية الديمقراطية بشكل سلس وفق النظام والأصول.
وقال الحاج أحمد لصحيفة "فلسطين": إن "الانتخابات البلدية هي انتخابات خدماتية وليس لها أي بعد سياسي وسيتم إجراؤها في قطاع غزة بتالي لن يكون هناك أي عقبات خارجية تضع العراقيل أمامها"، مشددًا، أن الأمر يحتاج إلى توافق وطني، وتوضيح كل القضايا من محكمة الانتخابات للبدء بالإجراءات العملية.