مع اقتراب افتتاح العام الدراسي الجديد تسود أجواء من التوتر مدينةَ الخليل منذ الأسبوع الماضي، بسبب اعتداء عناصر من حركة الشبيبة الطلابية، الذراع الطلابية لحركة فتح، وهم من العاملين في أجهزة أمن السلطة، على طالبات في جامعة الخليل، وانتشرت فيديوهات وصور وثّقت الحدث، بينت أن عدداً من طلبة وطالبات حركة الشبيبة تهجّموا على الطالبات المعتصمات أمام الجامعة بالضرب والشتم والسحل، في حين تم الاعتداء على أربعة صحفيين، خلال تغطيتهم الوقفة، وتمت مصادرة كاميرات وجوالات بعضهم، وتم الاعتداء عليهم بالضرب المبرح بالهراوات والأدوات الحادة ورش غاز الفلفل، وإذا ما سألنا عن السبب: لماذا كل هذا البطش بطلبة الكتلة الإسلامية؟ فالسبب الذي تحجج به المعتدون ليس مقنعاً، فهل يعقل أن يقوم مجلس اتحاد الطلبة برئاسة حركة الشبيبة بمنع الأطر الطلابية الأخرى ممارسة حرية العمل الطلابي كالأنشطة والفعاليات كما فعلت الكتلة باستقبال الطلاب الجدد، أم المراد من ذلك هو تكبيلها وتحجيمها، بهدف اقتلاع وجودها، خوفاً من سحب البساط من تحت أقدامها، كما حدث في كبريات جامعات الضفة، بفوز الكتلة على الشبيبة الفتحاوية؟
وفي تعقّبنا للأحداث وتطوراتها الميدانية في جامعة الخليل، فقد انتقلت الأحداث بمجملها من الحرم الجامعي إلى خارجه، وقد أحدثت هزة كبيرة في الخليل، وغضبا شديدا لدى الأهالي في أعقاب اعتداء بلطجية فتح على الطالبات، الأمر الذي دفع عائلات الخليل إلى إصدار بيانات غضب واستنكار شديدين، دعت فيها إلى محاسبة المعتدين لتجنيب الخليل الفتنة، محملة في ذات الوقت السلطة وفتح المسؤولية عما جرى، فهذا رئيس بلدية الخليل، تيسير أبو سنينة صرح قائلا لـ(العربي الجديد): “بأن وجود أطراف ترفض قبول الآخر ولا تحترم نتائج الانتخابات هو السبب الرئيس في تدحرج الأمور إلى الاعتداء على الطلبة والطالبات”، وهذا يدل على سياسة الاستقواء، والمحاصصة، والتفرد، وعدم تقبل الآخر، وهو نفس النهج الذي تسير عليه السلطة بزعامة حركة فتح، التي تنفرد وحدها بالقرار والحكم في جميع مؤسسات الشعب الفلسطيني، كما ترفض الدخول في انتخابات للخلاص من الانقسام الفلسطيني وإحلال المصالحة، أو على الأقل شروعها في إصلاح منظمة التحرير وإشراك جميع فصائل العمل الوطني والإسلامي فيها، وضمهم إلى المجلس الوطني.
اقرأ أيضا: ما غاب عن اجتماع الأمناء العامين
فتح تريد الاستفراد بجامعة الخليل وتسييس نظام التعليم فيها، بمنع الشراكة الوطنية كما هي الحال بهيمنتها على السلطة ومنظمة التحرير والمجلس الوطني، فلم يتوقف الأمر عند حد قمع طلاب الكتلة من مجلس الطلاب، بل إن تدخل أمن الجامعة ومشاركة بلطجية أمن السلطة وزعران فتح المسلحين في انتخابات الجامعات، هما سبب الإشكالات في جامعات الضفة بشكل عام، وعلى ما يبدو أن هذا العام الدراسي سوف يبدأ من حيث انتهى العام الماضي بتعطيل الحياة الدراسية في الضفة، وبالذات في الجامعات على غرار ما شهدته كثير من الجامعات هناك من اضطرابات بسبب الاعتقالات السياسية التي تشنها السلطة بين الفينة والأخرى ضد الطلاب، ولا سيما المحسوبين على التيارات الإسلامية في أغلب الجامعات، ووفق مجموعة “محامون من أجل العدالة”، فقد كثفت الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة خلال الشهرين الأخيرين من حملة الاعتقالات بحق الطلبة الجامعيين، والنشطاء السياسيين، والمحررين والمدافعين عن حقوق الإنسان، وبحسب المجموعة، فإنها وثقت وحدها تنفيذ الأجهزة الأمنية أكثر من 300 حالة اعتقال سياسي منذ بداية عام 2023 بينها أكثر من 20 اعتقالاً خلال شهر حزيران/ يونيو الماضي.
لعل أكثر شيء يضر التعليم في فلسطين هو تسييسه من قبل السلطة، كما سيست القضاء ونقابة الصحافيين والمؤسسات الحقوقية وغيرهم، بإخضاعهم ضمن منظومة تكميم الأفواه التي تمارسها أجهزة أمن السلطة فهى أشبه بالقبضة الأمنية التي تطبقها في الضفة لأكثر من ثلاثة عقود، وقد ازدادت وتيرتها في الفترة الأخيرة، لما تشهده الضفة مقاومة مسلحة متواصلة فشلت في إخمادها رغم تعاونها الأمني مع الاحتلال، فالسلطة لم تتعلم من الدروس والعبر السابقة، بأنها جربت في النصف الثاني من التسعينيات مثل هذه السياسة في ظل القبضة الأمنية التي فرضتها حينها أجهزتها الأمنية، إلا أنها لم تنجح في منع اندلاع انتفاضة الأقصى الثانية.
إن ما تقوم به السلطة وأجهزتها الأمنية من حملة مداهمات واعتقالات سياسية في الضفة والاعتداء على الحريات العامة، التي طالت عدداً من المقاومين وقادةً، وكوادر، ومحررين، وآخرين من الصحفيين والكتاب وأصحاب الرأي على ذمة انتقاد السلطة ومعارضة سياستها بالضفة المحتلة، رغم كل الانتقادات المحلية والدولية والمطالبات بإيقاف هذه السياسة التي لا تخدم إلا الاحتلال، يعد شكلًا من أشكال الدكتاتورية وتكميم الأفواه، هو نفس الأسلوب الذي يتبعه “زلمها” من شبيبة وشبيحة فتح بدعم من أمن السلطة في جامعات الضفة ضد الأطر الطلابية الأخرى وطلاب الكتلة الإسلامية بشكل خاص، ويعد هذا شكلاً من أشكال انتهاك حقوق الإنسان، الذي يتنافى مع القانون الدولي الإنساني، وهو مخالف للقانون الفلسطيني الأساسي، بل يعد سلوكاً خارجاً عن الإجماع الوطني، ولما يسببه من تداعيات خطيرة على التلاحم الوطني والحفاظ على السلم الأهلي والمجتمعي الفلسطيني، لذا يجب تحييد التعليم كلياً من كل الأجندات والحسابات السياسية والحزبية، وعدم تأجيج الفتن، وزرع العداوات بين الطلاب، وتبني روح الحوار البناء ونبذ الخلافات، واحترام رأي الآخر وما يفرزه صندوق الانتخابات، وتحقيق الوحدة الوطنية، والحفاظ على تماسك نسيجه الاجتماعي، وتوفير أهم مقومات استمرار وتصاعد المقاومة بجميع أشكالها.