فلسطين أون لاين

الذكرى الـ 58 لميلاد قائد أركان القسام 

تقرير محمد الضيف.. ملهم الأجيال الفلسطينية وشبحٌ يطارد الاحتلال

...
محمد الضيف القائد العام لكتائب الشهيد عز الدين القسام
غزة/ يحيى اليعقوبي:

محمد الضيف، أو المطلوب رقم واحد للاحتلال الإسرائيلي، شخصية ملهمة للشباب، وصاحبُ عقلية فذة أسهمت في تحقيق نقلة نوعية في العمل المقاوم، وأصبحَ رمزًا ملهمًا لأبناء الشعب الفلسطيني، وللأمتين العربية والإسلامية، وأحرار العالم، ومصدر كابوس للاحتلال ومستوطنيه، فالرجل الذي "يعيشُ في الخفاء" لم يطل إلا عبر كلمات قليلة خلال حروب عدوانية إسرائيلية، قال فيها كلمات الفصل.

في 12 آب/ أغسطس عام 1965، بزغ نور الضيف واسمه الحقيقي محمد دياب المصري، في مخيم خان يونس للاجئين الفلسطينيين، جنوبي قطاع غزة، وسمي بالضيف لأنه "لا يستقر في مكان".

عاشَ حياة اللجوء بين أزقة المخيم، فكبر على معاناة التهجير التي عاشتها عائلته بعيدًا عن قريته "القبيبة"، بدأ طريق المساجد مبكرًا فشكلت مساجد: بلال، وفلسطين، والشافعي، بيئة ترعرع فيها وصقلت شخصيته، عرف بذكائه الكبير منذ طفولته، وبأنه شخصية هادئة يحب مساعدة الآخرين واحترام الكبير، كثير العمل والعطاء.

حياة المخيم

يوجه شقيقه يوسف المصري رسالة لشقيقه في ذكرى ميلاده الـ 58 عامًا بكلمات مليئة بالحب، وبنبرة فخر تدفقت من قلبه: "حفظه الله، ما وصل إليه شرف عظيم نفتخر فيه، فهو مصدر فخر لنا في جهوده ومثابرته في العمل، وتفانيه من أجل الوطن والقضية الفلسطينية".

اقرأ أيضاً: قاسم: هتاف الأحرار باسم الضيف لتجسيده ثورة لن تهدأ حتى التحرير

عن حياة الطفولة، يعود يوسف بالزمن في حديثه لصحيفة "فلسطين" إلى أكثر من أربعة عقود، مستحضرًا صورًا من طفولة الضيف قائلاً: "نشأنا في بيئة متواضعة، فكان مثابرًا، وملتزمًا في المساجد، كان يحب التنقل بين مسجدي فلسطين وبلال بحيث يستطيع نسج علاقات اجتماعية، وكان يوقظنا لصلاة الفجر ويحثنا عليها".

كبر هذا الطفل الصغير وكبرت معه أحلامه، فأنشأ مزرعة صغيرة لتربية الدجاج، ثم حصل على رخصة القيادة لتحسين دخله، محاولاً مساعدة عائلته في توفير مصدر دخل.

امتاز الضيف في تلك المرحلة، بالإبداع في التفكير على صعيد المسجد، خاصة بالمرحلتين الإعدادية والثانوية، فأنشأ فريقًا رياضيًّا، وأنشأ فرقة للعمل المسرحي والفني في فترة الجامعة، وتطوع في خدمة الطلاب الفقراء، فكان ضمن أعضاء مجلس الطلاب بالجامعة الإسلامية، وكان يهتم بحلقات تحفيظ القرآن الكريم وتوطيد التعاون بين المساجد متنقلًا من مسجد إلى آخر".

يصفه شقيقه بأنه "شخص هادئ جدًّا، دمث الخلق، يستمع للكبير والصغير، يهتم بحل مشاكل الناس، كان يعتبر جيرانه كإخوة، يرافق والده وأشقاءه بكل المناسبات الاجتماعية".

منذ انضمام الضيف للمجموعات الأولى للمقاومة دفعت العائلة ثمنًا من هذه الملاحقة، يستذكر بعضًا من الملاحقة التي تعرضت لها العائلة مع بدء ملاحقة الضيف من الاحتلال "كانوا يقتحمون البيت باستمرار للبحث عنه، اعتقلت أنا وأخي "علي" عام 1993 في سجن بئر السبع 20 يومًا، وتعرضنا لتعذيب شديد أثناء التحقيق في محاولتهم الوصول إليه، ولا زلنا نعاني التضييق والمراقبة خلال الحروب حتى اليوم".

على صعيد الشعب الفلسطيني أصبح اسم الضيف أيقونة ورمزًا، يحترمه الكبير والصغير، وبات مصدر إلهام في نشر ثقافة المقاومة، وغرسها لدى الأجيال، ساهمت الحياة التي يعيشها الضيف والتضحية التي قدمها في تلك الرمزية، فإضافة لتعرضه لخمس محاولات اغتيال، وتنازله عن العيش حياة طبيعية في كل مكان وزمان، استشهدت زوجته (وداد) وابنه الرضيع (علي) الذي لم يتجاوز عمره سبعة أشهر.

كانت أشهر محاولات اغتيال قائد هيئة أركان كتائب عز الدين القسام في أواخر سبتمبر/ أيلول 2002، ووقتها اعترف قادة الاحتلال بأنه نجا بأعجوبة عندما قصفت المروحيات سيارة في حي الشيخ رضوان بغزة.

صاحب الكلمات المعدودة

منذ توليه قيادة كتائب القسام عام 2002 بعد اغتيال الاحتلال لقائدها العام الشهيد صلاح شحادة، شغل الضيف صاحب الكلمات المعدودة الرأي العام لدى دولة الاحتلال، ووسائل إعلامها وقادة جيشها، وهم يحاولون قراءة الشخصية التي أنهكت جيش الاحتلال، الذي لم يستطع الوصول إليه خلال عقدين، رغم تعرضه لخمس محاولات اغتيال نجا منها.

اقرأ أيضا: تقرير صراع العقول".. معركة أمنية تفوَّق فيها "الضيف" على قادة الاحتلال

"رجل لا يتكلم إلا قليلاً، عاش تحت الأرض 30 عامًا، ليس في عجلة من أمره للظهور فوقها" بهذا وصفه الصحفي في صحيفة يديعوت أحرنوت "إيتاي إيلناي"، أما الباحث في معهد السياسة والإستراتيجية لدى الشاباك مايكل ميلتسن، فيقول عنه: "نعتقد أن العرب يمزحون، لكن الضيف لا يعرف المزاح، عقله في إنتاج المزيد من الأفكار حول العمل والإبداع في البعد العسكري".

في كثير من التصريحات، أصابت الدهشة العديد من مسؤولي جهاز "الشاباك" من قدرة الضيف على النجاة، بعضهم وصفه بأنه "بسبعة أرواح"، وينضم الباحث في معهد دراسات الأمن القومي يوحنان زورف إلى أولئك الذين عجزوا عن النيل منه، ووقفوا احترامًا لعظمة شخصيته، فقال: "هو رجل له ألف روح، أوضح لأعدائه أنهم ليسوا الأقوى في العالم، إذ انفجر فيه صاروخان من طراز هيلفاير، لكنه قام من الرمال مثل طائر الفينيق، نظف ملابسه من التراب واستمر في طريقه".

ولا زالت شخصية الضيف وفق الخبير في الشأن الإسرائيلي باسم أبو عطايا تؤثر بشكل كبير على قادة الاحتلال، كونه المطلوب رقم واحد، فكل يوم يمر وهو على قيد الحياة يعبر عن فشل للاحتلال، ولا زالت تلك الشخصية تنعكس على تطور المقاومة ومواجهة الاحتلال. 

ولفت أبو عطايا لصحيفة "فلسطين"، إلى دهشة رؤساء أجهزة جيش الاحتلال عن أهمية الضيف في إعادة بناء المنظومة العسكرية للمقاومة، ونقلها من الطابع الفردي إلى العمل المؤسساتي المنظم.

وقال: "بعد قيادة الضيف أصبح العمل المقاوم ثقافة للشباب، وجزءًا لا يتجزأ من حياتهم، من حيث التنظيم والتشكيلات والجانب الأمني الذي مثل أيضًا مصدر إلهام للمقاومين الآخرين".

ودائمًا ما يندهش الاحتلال وقادة أجهزته الأمنية والاستخبارية بقدرة الضيف على التخفي، وهذا ما يعزوه أبو عطايا إلى قدرة الضيف على الشعور بالخطر في هذه الأشياء، وأن بتلك التبريرات يحاول الاحتلال إخفاء عجزه عن الوصول للضيف، الذي استطاع أيضًا نقل المقاومة وثقافتها للضفة.

ورغم أن الضيف شخصية لا تظهر وغير معروفة، إلا أن الاحتلال لا يكل ولا يمل في محاولة الوصول إليه سواء بالسلم أو الحرب، وهذا ما يصفه أبو عطايا أنه صراع يدور في الخفاء، لافتًا إلى أن الاحتلال يدعي أن سبب فشل اغتياله بعده عن استخدام الأجهزة الإلكترونية وشبكة الإنترنت وأسلوب حياته الأمنية.

وأضاف: "هذا التخفي والتنقل والتعامل الحذر دائمًا يعزي الاحتلال فشله لهذه العوامل، بالإضافة لما يتمتع به الضيف من ذكاء أمني ومقدرة على الصبر وترك كل ما يتمناه أي إنسان عادي، والتعود على هذا النمط من الحياة".