فلسطين أون لاين

"أحمد عبد الرحمن".. أسيرٌ يبدد ظلمات السجن بالعلم

...
الأسير أحمد عبد الرحمن من جنين
جنين-غزة/ أميرة غطاس:

تراود الحاجة سلوى صادق الأحلام يوميًّا، بأن تزف ابنها الأسير أحمد ذيب عبد الرحمن أحمد عريسًا، وتعد الأيام والليالي لذلك اليوم الذي سيخرج فيه من السجن، لتكتحل عيونها برؤيته محررًا من السجن الذي "قضى على زهرة شبابه".

تقول أم أحمد: "لم أتأخر عن زيارة أحمد طوال العشرين عامًا، رغم أنني أعاني مرض القلب والسكر والضغط، لكن زيارتي له كبلسمٍ يداوي قلبي المشتاق، أشعر كأن الزمن توقف وأن الحياة تستعيد ألوانها ونورها مرة أخرى بمجرد رؤيتي له".

يتحدى الاحتلال بعلمه

وتضيف في حديثها لـ "فلسطين": "أحمد شاب قوي وصاحب إرادة، ليس لأنه ابني، لكن كل من عرفه يعرف مقدار الطموحات التي كان يحملها، ظروف الاعتقال والسجون لم تنال من عزيمته، وكان يخبرني أنه يتحدى الاحتلال بعلمه.

وتشير الوالدة إلى أن أحمد حصل على شهادة التميز في تخصص العلوم السياسية من الجامعة العبرية، وحصل على درجة الماجستير في نفس التخصص، وحصل على البكالوريوس في التاريخ من جامعة الأقصى بغزة، كما حصل على عدة دورات في مجالات متعددة منها اللغة العبرية.

اقرأ أيضًا: "عقول مكبَّلة" .. ​حملة شبابية تساند تعليم الأسرى

أبصر أحمد النور في بلدة عرابة جنوبي مدينة جنين، نشأ وترعرع فيها، تعلم في مدارسها وأنهى جميع مراحل الإعدادية، ثم نجح في الثانوية العامة والتحق بجامعة الخليل تخصص إدارة أعمال.

في العام الأول من الجامعة، قطع الاحتلال الطريق على أحمد، عندما اقتحم المنزل مطلع عام 2001، بحثًا عنه بعدما انضم لقائمة المطلوبين، "لكنه رغم التهديدات تمرد ورفض تسليم نفسه، فطارده الاحتلال حتى اعتقل في 15 يونيو 2003".

وتكمل الحاجة سلوى: "اعتقلوه ثم نقلوه إلى أقبية التحقيق في مركز تحقيق الجلمة، وهناك عزلوه أربعة أشهر متتالية، فلم تصلنا أي أخبار عنه حتى نقلوه إلى سجن شطة"، مشيرةً إلى أن الاحتلال عاقبهم بمنع زيارته، "ولم يسمح لنا بالاقتراب منه خلال جلسات المحاكمة".

خلال المحاكمة، لم تستطع أم أحمد منع نظرات الحزن والقهر، وبعض الدمعات الشاردة التي ترسلها لنجلها من مسافة قريبة، لكنها بدت كأميال تحول بينها وبينه وهو مكبل اليدين والقدمين للتعانق نظرته مع نظرتها أن "لا تحزني يا أمي أنا بخير لا تبكي أبدًا، بل ارفعي رأسك عاليًا؛ فأنت أم الأسير".

فخرٌ واعتزاز

وتكمل: "الله يرضى عليه، أحمد غير عن كل أولادي، هو بكري وصديقي وحبيبي، دائمًا ما أشعر بالفخر والاعتزاز ببطولاته وصلابته، وهو يكرس حياته لخدمة الأسرى، رغم أنه عانى كثيرًا من عقوبات العزل ومنع الزيارات".

واحد وعشرون عامًا، حقبة زمنية كافية لتصبح أم أحمد جدة لأحفادٍ لا يعرفون عمهم أحمد إلا من خلال الصور، كما فقد أحمد شقيقه صالح عن عمر (23 عامًا)، إثر حادث سير بعد مطاردة الاحتلال له مع مجموعة مقاومين مطاردين، وتوفيت عمته، وجده الذي كان دائم السؤال عنه وعن حريته، وفق والدته.

اقرأ أيضًا: "وزارة الأسرى": الأسرى ليسوا وحدهم وفصولُ معاناتِهم تنتهي بتحريرهم

وتعرج أم أحمد في حديثها إلى لحظات اجتماعية تمنت لو شهدها أحمد، قائلًا: "في يوم زفاف شقيقيه عبد الله وعبد الفتاح، لم أشعر بطعم الفرح، كانت دموعي تنهمر بغير إرادتي، كنتُ أتمنى أن يكون معهم ونزفهم الثلاثة"، لافتةً إلى أن صوره زيّنت العرس حينما رفعها الجميع من الأهل والأـصدقاء، "ولا تخلو أي زاوية في بيتي من صور أحمد".

وتضيف الأم: "لا تعبر كل الكلمات عن وجعي، أتمنى لو أني ألمس يده مرة واحدة، أعانقه وأخفف من وحدته في السجن، فالـ 45 دقيقة التي أقضيها في الزيارة لا يخبرني فيها عن وجعه الحقيقي، يخفي عني، لكنني أعرفه من نظرة عينه وصوته المرتعش خلف سماعة الهاتف".

ولا تملك أم أحمد سوى الصبر والصلاة وتلاوة القرآن الكريم، "ليخفف رب العالمين ألم البعد، فمن يهديني أجمل هدية في العالم؟ حرية أحمد وزفافه في عرس وطني كبير".

وتتابع: "قبل إعلان الأسرى المحررين في صفقة وفاء الأحرار عام 2011، لم يغفُ لي جفن كنت أتمنى أن يكون بينهم، لكنّ الاحتلال بدد فرحتنا".

وتمضي بالقول: "عزائي أنه أسيرٌ مناضل وهب عمره لأجل الوطن، ولا أقول: إلا قدر الله وما شاء فعل، لا بدّ أن يتحرر وكلّ الأسرى، فالحرية قادمة بإذن الله".