مع باكورة الصباح تتوجه مها حج محمد من بلدة بيت فوريك لأرض "الزعتريات" التي غدت كجنة تقضي فيها ساعات طوال من نهارها تعتني بعشرات الأشتال ذات المنظر والرائحة الرائعيْن، وتحصد بيدها الناضج منها وتغلفها برفق للسوق المحلي.
وجدت حج محمد (27عامًا) في مشروعها الأخضر ملاذًا لتحقيق ذاتها، وفي الوقت ذاته مظهرًا جماليًا يريح نفسيتها، إذْ خرجت بمشروعها من نطاق الزراعة التقليدية معتمدةً على وسائل الزراعة العضوية الحديثة وتسويق المنتجات إلكترونيًا وليس بالشكل الاعتيادي عبر شحنها للأسواق.
كانت البداية في أثناء جائحة "كوفيد-19" ومنع الاختلاط بين الناس، فلجأت حج محمد لأرض عائلتها مع أسرتها لقضاء بعض الوقت من الترفيه وتغيير الجو، فخطرت ببالها فكرة الاستفادة من خصوبة الأرض البكر بمشروعٍ يزيدها جمالًا واخضرارًا وفي الوقت ذاته يعود بالفائدة على أسرتها.
في عام 2021 بدأت حج محمد مشروعها "زعتريات" ليكون الأول في محافظة نابلس، مبينة أنها خريجة جامعية ولم يتسنى لها الحصول على فرصة عمل في مجال علم النفس، "فقررتُ أنْ أوظف شغفي بالزراعة، إذ أعتني بمجموعة من النباتات في منزلي، وأستغل الأرض البالغ مساحتها ثلاث دونمات".
المزرعة الأولى
واختارت المزارعة الشابة فصيلة "الزعتريات" على اختلاف أنواعها (زعتر أخضر، زعتر فارسي، زعتر بلاط "زعيتمان"، ميرمية، إكليل الجبل) لحاجة كل بيت فلسطيني إليها كغذاء ودواء، بجانب أنه لا يوجد مزارع في نابلس تركز على هذه الفصيلة بالتحديد، في حين توجد في مناطق الأغوار وجنين، كما أن الزعتر الفارسي متوافر في الداخل المحتل لكنه غير مزروع بالضفة.
ولم يكن الأمر بالسهل في البداية خاصة أن دراستها بعيدة عن الزراعة، كما اعتمدت على التمويل الذاتي لتوفير الأشتال والمعدات الزراعية وشبكة الري، قبل أن تحصل دعم من الإغاثة الزراعية لتنفيذ بركة الحصاد المائي.
واستفادت حج محمد من عديد المشاريع الزراعية المشابهة في الأغوار وجنين وزارتها ميدانيًا للاستماع لتجارب المزارعين إلى جانب لجوئها لعدد من المهندسين للاستفادة من خبراتهم العلمية.
وتلفت إلى أن عدم توافر عمال في الزراعة في بيت فوريك كان أحد الصعوبات التي واجهتها فلجأت للاتفاق مع عمال من المناطق المجاورة من طمون وجنين، لكن أكبر المشاكل تمثلت في ارتفاع سعر المياه فالكوب الواحد يصل سعره إلى عشرة شواقل، "لذلك قمتُ بإنشاء بركة حصاد مائي".
وتشرح فكرة عمل البركة بالقول: "هي حفرة أرضية مكسوة بالجلد بهدف تجميع مياه المطر عبر الوادي الذي يمر بالأرض وتتسع لنحو 400 إلى 500 كوب، وتساعدني كثيرًا في عملية الري بالتنقيط خاصة في فصل الصيف وكلفتني ٣ آلاف دولار، ولكن استطعت الحصول تغطية مالية للمشروع من الإغاثة الزراعية إضافة إلى زراعة دونم ثالث".
منافذ تسويقية
وتقضي حج محمد عدة ساعات للعمل يوميًا في مزرعتها من تعشيب وعناية بالمزروعات ومكافحة الآفات (خاصة مرض الصدأ الذي يصيب الزعتر في حالة كانت رطوبة الجو عالية) و(مرض البياض الدقيقي الذي يصيب الميرمية) والآفات الحشرية كدودة الساق في الزعتر، ولجميعها أجلب الأدوية المناسبة لها من مديرية الزراعة في منطقتي".
ودعمّـت حج محمد مشروعها بتدريبات في التسويق وإدارة المشاريع الصغيرة، لتتمكن من تسويق منتجاتها بالشكل الصحيح، إذ تعتمد على التسويق الإلكتروني أساسيًا إلى جانب التوافق مع بعض المحال التجارية على عرض منتجات زعتريات، وإمكانية الشراء مباشر من المزرعة.
وتعود بالذاكرة للمرة الأولى التي قطفت فيها ثمار مزرعتها، "كان شعورًا غاية في الروعة، بعتُ المنتج للمعارف والأصدقاء، أما في المرة الثانية فسوقتها في مدينة رام الله، وأصبح لدي نقاط بيع محددة في نابلس ورام الله، خاصة لأصحاب مشاريع المطابخ المنزلية والمطاعم. كما يوجد توصيل لكل مناطق الضفة عبر صفحة "زعتريات" على مواقع التواصل الاجتماعي".
وتعتمد حج محمد الورق تغليف الأعشاب لقدرته على حفظها من التعفن أو فقدان خصائصها العطرية خاصة للأعشاب المجففة، فالزعتر –مثلًا- تقطفه كل ستين يومًا، في حين يخف الطلب عليه في فصل الصيف، فتعمل على قطفه وتجفيفه في الظل في مكان شبه مغلق ليحافظ على لونه الأخضر ورائحته، دون التعرض للملوثات.
رضا وسعادة
وتشعر المزارعة الشابة بالرضا إزاء النجاح الذي حققته، "فقد ازدادت ثقتي بنفسي بعد أن أصبحت منتجة ولديّ دخلي الخاص، ودائمًا أفكر في التوسع وزيادة مساحة الأرض المزروعة".
وتحظى بدعم كبير من زوجها وأهلها وأهل زوجها الذين يبدون سعادتهم الغامرة بما وصلت إليه من نجاح، بعد عدة محاولات فاشلة، "تعرضتُ في البداية لعقبات كموت النباتات جميعًا، لكنني لم أيأس حتى عرفتُ أسرار المهنة".
وحاليًا تبحث المزارعة الشابة عن طرق جديدة للتسويق والترويج، إذ تبيع الأعشاب خضراء ومجففة، وتفكر باستخلاص الزيوت من تلك الأعشاب العطرية.
وتطمح حاج محمد لتوسيع مزرعتها التي تعتمد فيها على الزراعة العضوية، وإدخال نظام الري المحوسب لها وزراعة أصناف أخرى بجانب الزعتريات، ومن ثمّ أن تتمكن من تصدير منتجاتها للخارج.