فلسطين أون لاين

مطبعة "شلهوب" تروي حال فلسطين بعد النكبة

...
مطبعة "شلهوب" تروي حال فلسطين بعد النكبة
نابلس/غزة- مريم الشوبكي:

ما إنْ ينتهي إيهاب شلهوب من دوامه المدرسي، كان يقصد مكتبة ومطبعة والده الذي كان يعمل بها بالشراكة مع عميْه، حيث كانوا يستأجرون محلًا عند باب الجامع الكبير في حارة الشيخ في نابلس القديمة، يمتاز بحجارته العتيقة، وأقواسه ذات الطراز المعماري العثماني القديم الذي كان سائدًا في فلسطين منذ أكثر من مئة عام. 

كان يقضي شلهوب "57 عامًا" كما أبناء أعمامه، جل يومهم في مطبعة شلهوب التي تعتبر من أقدم مطابع نابلس والتي تحكي تاريخها الحديث، حيث يرجع تاريخ إنشائها لخمسينيات القرن الماضي حتى إغلاقها مع بداية انتفاضة الحجارة في عام 1987م.

من الصفر

يقول شلهوب لـ “فلسطين": "بمجرد خروجي من المدرسة كنت أمر على والدي لكي أوصل مشترياته اليومية للبيت، وأتوجه بها لوالدتي لكي تصنع طعام الغداء، ومن ثم أعود مرة ثانية للمطبعة التي كانت تحت البيت حاملًا سفرطاس الأكل لجميع من في المطبعة، وبعد انتهائي من كتابة دروسي، ومراجعتها كنت أساعد والدي في أعمال المطبعة".

ويتابع: "منذ أن كنت في الخامسة عشرة من عمري تفرغت تمامًا للعمل في المطبعة حتى إغلاقها، بسبب التضييقات الإسرائيلية على البلدة القديمة وتراجع الإقبال عليها، واضطرار الكثير من التجار لإغلاق محالهم بعد تراجع الحركة التجارية".

ولا تزال الكتب القديمة، وبعض الصور، وأغلفة بعض الكتب، والمجلات، ودفاتر المدارس مرصوصة على أرفف حديدية استخدمت قبل أكثر من 50 عامًا، وخزانة خشبية لا تزال تحتفظ بأنابيب الحبر التي كانت تستخدم في الطباعة، وماكينات الطباعة الألمانية صامدة حتى اليوم داخل المطبعة المهجورة، وقد غطاها الغبار".

من لا ينسى الدفتر ذا الغلاف البني الفاتح خشن الملمس، الذي كان يروس بـ "دفتر النجاح"، وتحتها بطاقة تعريفية كتبت بخط الرقعة لِتُدون الاسم، والموضوع، والصف، والمدرسة، ودفتر الرسم البياني الذي انقرض في يومنا هذا.

ويعود شهلوب بذاكرته إلى ما قبل عام النكبة 1948م، حينما اضطر والده، وعميه إلى ترك العمل في تجارة الأحذية بحيفا، والعودة إلى بيتهم في نابلس مسقط رأسهم.

ويبين شلهوب أن والده وعميه، بحثوا عن مهنة جديدة لكي يعتاشوا منها، فعملوا في صناعة الحلويات، وهي الصناعة الأشهر في نابلس وتعتبر من أقدم الصناعات التقليدية، ومن ثم قرروا الاتجاه نحو افتتاح مكتبة، ومطبعة في منتصف الخمسينيات.

ويوضح بأن الإخوة الثلاثة بدأوا من الصفر، فاستأجروا محلًا صغيرًا في البلدة القديمة، ومن ثم توسعوا واستأجروا محلًا أوسع بالقرب من باب الجامع الكبير، وعملوا في البداية بماكينات صغيرة، ومن ثم استوردوا ماكينات ألمانية.

تضييقات وإغلاق

ويلفت شلهوب إلى أنهم بدأوا بطباعة كروت الأفراح، والفواتير، ومن ثم بعد امتلاكهم آلات أحدث طبعوا أغلفة الصابون، والحلويات وعلبها الكرتونية، وعلب الأدوية، بالإضافة إلى الكتب الوزارية التي كانت إبان الحكم الأردني في عام 1967 بعد احتلال (إسرائيل) للضفة الغربية، إضافة للدفاتر.

وشدد على أن أهم منتج في المطبعة هو الدفاتر، حيث كانوا يوزعونها على أنحاء الضفة الغربية، كما كانوا يصدرون للأردن بعض المطبوعات، وللكويت من خلال أقارب للعائلة حيث كانت أسعار الطباعة باهظة فيها فكانوا يأخذونها من نابلس ويوفرون بعض المال.

وكان الإخوة شلهوب يستوردون الورق من اليابان، وإندونيسيا لجودته العالية في هذين البلدين، إلى أن احتلت (إسرائيل) الضفة، فمنعت الاستيراد المباشر للورق، أو حتى تصدير المنتجات من المطبوعات للخارج، إلا عن طريق التجار الإسرائيليين.

ويلفت إلى أن والده وعميه اضطرا للتعامل مع الأمر الواقع، واستمروا في هذا الأمر، حتى أنهكهم المرض، واندلعت انتفاضة الحجارة، وتوقف الحركة التجارية في البلدة القديمة بنابلس، الأمر الذي جعل أبناءهم إلى إغلاق المطبعة بعدما تشتتوا وامتهنوا مهنًا أخرى.

ويقول شلهوب: "كنت أكثر الأبناء تمسُّكًا بالمطبعة لأنني قضيت فيها نحو 30 عامًا، ولم يكن لدي الرغبة في تركها، إلا أن الظروف كانت أقوى من رغبتي، لأني قضيت طفولتي، وشبابي بين الآلات، والدفاتر، والكتب، وهي مهنتي التي لم أستطع بعدها امتهان أي مهنة أخرى، فقد اتجهت للعمل سائقًا على سيارة تاكسي.

ولا تزال مطبعة شلهوب تحتفظ بآلاتها ومطبوعاتها القديمة، التي لم تعد رائجة في يومنا هذا، تحكي تاريخ فلسطين، وثقافة شعبها، كل زاوية فيها تحمل ذكريات عزيزة على قلب "إيهاب" يتفقدها كلما هب حنين الذكريات على باله.