الحالة الثورية في الضفة الغربية لم تهدأ منذ عام ونصف، بل تزداد يومًا بعد يوم في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي الذي فشل فشلًا ذريعًا في السيطرة عليها، على الرغم من كل ما فعله من قتل وتدمير للمنازل، وحملات للاعتقال، واقتحام للمدن والقرى على مدار الأيام، كما فعل ذلك في جنين قبل أسابيع، ولم يعد أمامه خيارات عسكرية للتعامل مع الضفة الغربية.
وبرز خلال العامين الأخيرين قلق إسرائيلي كبير مما يعرف بترابط الساحات أو وحدة الساحات بين قطاع غزة والضفة الغربية والداخل المحتل ولبنان وسوريا، وأجرى الاحتلال العديد من المناورات العسكرية الواسعة، تتركز على فكرة مواجهة التهديدات التي تمثلها هذه الساحات اتجاه الاحتلال الإسرائيلي، وأن عملها المشترك وترابطها يهدد الاحتلال الإسرائيلي، ويمثل كابوسًا بالنسبة للجيش الإسرائيلي الذي لا يمتلك القدرة على التعامل العسكري في أكثر من جبهة، وأن التقييمات التي يجريها الاحتلال الإسرائيلي تؤكد حتى الآن عدم مقدرته على العمل في الجبهات المتعددة في وقت واحد، لما لذلك من تأثير كبير على الجبهة الداخلية الإسرائيلية غير الموائمة لمواجهة هذه المخاطر.
اقرأ أيضًا: ممارسات الاحتلال هي صاعق التفجير
اقرأ أيضًا: المنظمة وحق الفلسطيني في حمل السلاح
في سبيل مجابهة المخاطر المتوقعة من الساحات الفلسطينية والعربية يحاول أن يشرك أطرافًا أخرى في إشغال الساحات، وحرفها عن هدفها، من خلال العمل على إثارة الأوضاع الداخلية، وتأجيل الموجع منها عبر جهات فلسطينية، والمقصود هنا السلطة الفلسطينية، التي بدأت تلعب دورًا مهمًا في الضفة الغربية لخدمة الاحتلال الإسرائيلي، خاصة بعد اجتياح جنين، وتعزيز هذه العلاقة بشكل كبير، وتجاوز أفضل ما تريده إسرائيل عبر تقديم خدمة لها بإشغال هذه الساحات لضمان بقاء الساحة الأكثر أهمية، والأكثر اشتعالًا خارج ترابط الساحات، وهي الضفة الغربية.
تنطلق السلطة في هذا الدور من مبدأ مصلحتها بأنها تحافظ على الضفة الغربية، وتحييد المقاومة في غزة عن دعم المقاومة في الضفة الغربية كما فعلت خلال السنوات الأخيرة، وهو الأمر ذاته ينطبق على تدخل حزب الله في الضفة الغربية لدعم المقاومة هناك بالسلاح والمال والإعلام الجماهيري، لتبقى ساخنة في وجه الاحتلال، وهو ما تريده السلطة.
لذلك لجأت السلطة إلى حملة اعتقالات واسعة في الضفة الغربية للمقاومين الفلسطينيين، والتحريش الإعلامي الواسع على المقاومة في غزة.
لم تكتفِ بذلك، بل وجهت عناصرها ونشطاء يتبعون لها إلى إثارة القلاقل واستغلال استمرار الحصار على قطاع غزة، والتحريض على الخروج إلى الشوارع، وتخريب الممتلكات العامة، وإحداث الفوضى، مما يشغل حركة حماس التي تدير قطاع غزة عن استمرار دورها بالضفة الغربية.
الدور ذاته تلعب السلطة أيضًا في مخيم عين الحلوة في لبنان، وتأجيج الأوضاع خلال الأيام الأخيرة، ومحاولة توسيع دائرة المواجهات في المخيمات مما يشغل الساحة اللبنانية سواء المقاومة الفلسطينية أو اللبنانية بالشأن اللبناني، وتحريض بعض اللبنانيين على المخيمات واللاجئين الفلسطينيين.
بذلك تكون السلطة قد أشغلت المقاومة في غزة بواقع أحداثها وصعوبة أوضعها الإنسانية، وكذلك أشغلت المقاومة الفلسطينية اللبنانية في الأوضاع الداخلية اللبنانية، مما يؤدي ذلك إلى السيطرة على الواقع في الضفة الغربية، وسط انشغال المقاومة في غزة وفي الضفة الغربية وفي لبنان عن استمرار المقاومة في الضفة الغربية، وتشتيت الجهد الفلسطيني والعربي تجاه قضايا ليست أساسية أو إشغال الساحة الفلسطينية بمرات هنا وهناك كما حدث في لقاء القاهرة، وفي نفس الوقت استمرار حملة الاعتقالات والمطاردة.