مثَّل ردّ محكمة الاحتلال العليا التماسات قدمها مواطنون للعودة إلى أراضيهم المصادرة والمقام عليها مستوطنة "حومش" في شمال الضفة الغربية المحتلة تطورًا خطيرًا يكشف حجم أطماع الاحتلال ومستوطنيه بالعودة إلى المستوطنات المخلاة وإعادة التموضع فيها.
وأنشئت "حومش" أواخر سبعينيات القرن الماضي على ارتفاع 650 مترًا أعلى جبل القبيبات الذي تتبع غالبية أراضيه لبلدة برقة الواقعة على طريق يربط محافظات جنين ونابلس وطولكرم.
وقد أخلت سلطات الاحتلال بقرار من رئيس الوزراء الأسبق أرئيل شارون المستوطنة عام 2005، وهو العام الذي اندحر فيه الاحتلال من قطاع غزة ضمن ما يسمى "خطة فك الارتباط".
اقرأ أيضا: محكمة الاحتلال تصادق على عدم إخلاء بؤرة "حومش" الاستيطانية
وبقيت المستوطنة على حالها ما دعا أصحاب الأراضي المستولى عليها إلى تقديم التماس لدى محكمة الاحتلال العليا للعودة والسكن فيها، لكن المحكمة ردَّت الالتماس بزعم أن المدرسة الدينية التي أقامها المستوطنون في مايو/ أيار الماضي أقيمت على "أراضي دولة"، أي أنها "ليست ملكية شخصية" في نظر القانون الإسرائيلي.
وبذلك حسمت محكمة الاحتلال الجدل بشأن مستقبل مستوطنة "حومش"، وفتحت المجال أمام إعادة بنائها والاستيطان فيها بالرغم من إخلائها قبل 18 عامًا إلى جانب 3 مستوطنات في شمال الضفة، وهي "غانيم"، و"كاديم"، و"سانور".
وفي مارس/ آذار الماضي، صدّق "الكنيست" على مشروع قانون "إلغاء قانون الانفصال" في الضفة الغربية وقطاع غزة، والسماح بعودة المستوطنين إلى المستوطنات الأربعة، وإلغاء العقاب الجنائي المفروض على المستوطنين الذين يدخلون أو يقيمون في هذه المستوطنات المقامة على أراضي المواطنين.
ويلات للفلسطينيين
وبينما لاقى قرار محكمة الاحتلال ترحيب رئيس مجلس المستوطنات في شمال الضفة الغربية "يوسي داغان" ووصفه بـ"التاريخي" وأنه "تصريح رسمي بالعودة إلى المستوطنات المخلاة"، حذَّر مراقبون ومختصون في شؤون الاستيطان من أن إعادة المستوطنين إلى "حومش" سيجلب المزيد من الويلات للمواطنين الفلسطينيين.
اقرأ أيضا: حماس تؤكد رفضها لقرار المحكمة الصهيونية الرافض لإخلاء مستوطنة "حومش"
وأرجع الخبير في شؤون الاستيطان عبد الهادي حنتش هذا التطور إلى المنافسة بين الأحزاب الإسرائيلية التي تتفق في نقطة مركزية لا جدال فيها ترتبط بالتوسع الاستيطاني قدر الإمكان في الأراضي المحتلة على حساب أصحاب الأرض الأصليين، بالرغم من الخلافات والإشكاليات فيما بينها.
وأضاف حنتش لصحيفة "فلسطين" أن الاحتلال والمستوطنين يسعون بقوة بالعودة لمستوطنات مخلاة إلى التضييق على المواطنين والسيطرة على المزيد من أراضيهم.
وبين أن جماعات المستوطنين هي من تخطط وتدبر للاستيلاء والسيطرة على أراضي المواطنين بمساعدة المستوى السياسي في حكومة الاحتلال والأحزاب الإسرائيلية، ولا ترفض أي جهة منهم أي قرار أو مخطط يصدر عن المستوطنين.
وبحسب حنتش فإن قرار محكمة الاحتلال إبقاء المستوطنات المخلاة أعطى الضوء الأخضر للمستوطنين لتطوير البنى التحتية فيها وتوسعتها على حساب أراضي الفلسطينيين.
صهيونية عالمية
من جهته، قال الباحث في شؤون الاستيطان محمد غنمة: إن الصهيونية العالمية والجمعيات الاستيطانية رفضوا فكرة إخلاء 4 مستوطنات في شمال الضفة ضمن "خطة فك الارتباط"، منذ بداياتها وجاءت فرصتهم اليوم للعودة إلى المستوطنات.
وبيَّن غنمة لـ"فلسطين" أن المستوطنين استفادوا من وجود حكومة ائتلاف اليمين المتطرف برئاسة بنيامين نتنياهو، التي تضم أحد أبرز المتطرفين اليهود وهو وزير "الأمن القومي" الفاشي إيتمار بن غفير، لتمرير قرار المحكمة.
وأضاف أن حكومة الاحتلال الحالية تعبّر عن وجهة نظر المستوطنين دون أي موانع أو رغبة بالانصياع للقرارات الدولية، وهي تسير في نسق متكامل مع الحكومات السابقة للسيطرة على أراضي المواطنين وقتلهم وبناء المستوطنات.
ونبَّه غنمة إلى أن المستوطنين وبدعم كامل من سلطات الاحتلال يتطلعون عبر قرار المحكمة العليا إلى فرض المزيد من السيطرة والهيمنة على مناطق شمال الضفة، وإنهاء التواصل الجغرافي بين المدن الفلسطينية.