تقضي الطفلة لينا اليازجي بعض الوقت وهي تحدث شخصيّتها الوهمية التي أطلقت عليها اسم "ليلى"، فتلعب معها، وتحدثها بشكل منتظم وتشاركها ألعابها، كما أنها أحيانًا تحدثها عن مغامراتها، ويومياتها في الحضانة ومع صديقاتها.
بمحض الصدفة اكتشفت والدة الطفلة لينا (5 سنوات) صداقتها الوهمية، ولكنها كانت تلاحظ أن تلك الشخصية تظهر مؤقتًا أحيانًا ودوريًا في أوقات أخرى، وتلامس تطورها وكيفية التعامل معها.
تقول والدتها: "كانت بداية هذه الصداقة مع نشوب خلافات بيني وبين زوجي، فتلجأ لصديقتها لتحدثها بما يدور في البيت، وكأنها تفرغ لها، وخاصة أن لينا أول أبنائي ولم يكن لديها إخوة لتتحدث وتلعب معهم".
أمر شائع
الصداقة الوهمية الخيالية من الأمور الشائعة في مرحلة الطفولة المبكرة، وتمثل جزءًا من خيال الطفل وتطوره الاجتماعي والعاطفي، ويمكن أن يكون هؤلاء الوهميون أشكالًا وأحجامًا مختلفة، وينتشرون في جميع الأعمار والجنسيات، وقد تساعد الطفل في التغلب على التحديات التي يواجهها في حياته.
أستاذة علم النفس في جامعة واشنطن ستيفاني كارلسون، تقول: "وجود رفيق وهمي لدى الأطفال أمر شائع، وخلصت دراسة أجراها باحثون في جامعتي واشنطن وأوريغون إلى أن 65% من الأطفال اخترعوا أصدقاء وهميين لهم بحلول 7 سنوات".
وأوضحت مارغوري تايلور أستاذة علم النفس في جامعة أوريغون بالولايات المتحدة أن الأطفال قد لا يتمسكون بنفس الصديق الوهمي طوال مرحلة الطفولة، فهي عملية مستمرة ومتغيرة.
وكشف دراسة قامت بها جامعة جونز هوبكنز الأميركية أن الأطفال الأوائل في الأسرة أو الأطفال الوحيدين أكثر عرضة من غيرهم لأن يصنعوا أصدقاء وهميين لهم.
وتوصلت دراسة جامعة واشنطن إلى نقاط مهمة بشأن الأطفال الذين يصنعون رفاقًا وهميين، بأن هؤلاء الأطفال ليسوا جميعهم ودودين، حيث بعضهم ابتكروا أصدقاءً يتصرفون بطريقة لا يمكن السيطرة عليها، ويؤدي ذلك إلى تسبب بعض الأصدقاء الوهميين في إزعاج الأطفال أنفسهم.
واتضح بالدّراسة أن 57% من الأطفال صنعوا رفقاءً وهميين من البشر، في حين تخيل 41% منهم أصدقاءً من الحيوانات، إضافة إلى ذلك، ابتكر أحد الأطفال صديقًا إنسانيًا قادرًا على تحويل نفسه إلى أي حيوان يرغب فيه الطفل.
وهذه الدراسة تسلّط الضوء على أهمية فهم طبيعة وأنماط الرفاق الوهميين لدى الأطفال، إذ يمكن أن تؤثر هذه العلاقات في تجربة الطفل للعالم الخارجي وتأثيرها على سلوكه ونموه الاجتماعي والعاطفي، ويمكن أن يساعد الأهل والمربين على توجيه الأطفال توجيهًا أفضل في مختلف جوانب حياتهم اليومية والاجتماعية.
تطوير خيال الطفل
ومن جهته يتحدث الاختصاصي النفسي والاجتماعي د. إسماعيل أبو ركاب بأن بداية العلاقات الاجتماعية عند الأطفال تبدأ مبكرًا عند الأطفال وهي تعتمد على التعلم بالنمذجة من الوالدَين والتنشئة الاجتماعية.
ويوضح أن من الأسباب الأساسية التي تدفع الأطفال لتكوين الصداقة الوهمية، هي عدم قدرة الطفل على تكوين علاقات واقعية، وذلك يرجع لضعف الشخصية، والأمر الآخر من المسببات هو ميل الكثير من الأطفال إلى استخدام مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيق العلاقات على الواقع الاجتماعي، وقد تكون أحيانًا الفكرة السلبية عن الذات والآخرين، لذلك يلجأ إلى التخفي في إقامة العلاقات واستخدام العلاقات الوهمية أو الافتراضية.
ويعتقد أبو ركاب أن حجم الإيجابيات في العلاقات الوهمية قليل جدًا مقارنة بالسلبيات، ويمكن تلخيص الإيجابيات في إتاحة الفرصة للطفل للتعبير عمّا بداخله دون قيود، وهو ما يساعد في التخفيف من الضغوط النفسية التي يعانيها الطفل.
ويضيف: "كما أنه يساعد الصديق الوهمي الخيالي للطفل على تطوير خياله وقدرته على الابتكار، حيث يمكنه خلق شخصية تتناسب مع ما يرغب فيه وتلبي احتياجاته العاطفية والاجتماعية، ويحسن من التواصل والتفاعل والتحدث بحرية دون قيود، مما يمنحه فرصة لتحسين مهارات التواصل والاجتماع مع الآخرين".
انفصال عن الواقع
ويلفت أبو ركاب إلى أن الاستمرار في العلاقات الوهمية يقلل من مفهوم الذات الإيجابي ويزيد فقدان الطفل لثقته بنفسه، فالصداقة الوهمية تقلل من المركزية في مراقبة الطفل والقدرة على تصحيح الأخطاء، كما تزيد من حدة الانفصال عن الواقع وتقلل من الذكاء الاجتماعي.
ويبين أن الأمر يصبح مقلقًا عندما يكون أسلوب وطريقة الصداقة الوهمية هو الأسلوب الوحيد للطفل في تكوين العلاقات مع الآخرين، والأمر الآخر عندما يكون الأشخاص الذين يتعامل معهم سواء عبر وسائل التواصل أو بشكل افتراضي هم نماذج سلبية ولا يحتذي بهم .
فلا يمكن تقدير ومعرفة هؤلاء الأصدقاء بسهولة لأن الطفل غير مهيَّأ نفسيًا للإفصاح عنهم، لذلك يمكن عن طريق المتابعة بطريقة غير مباشرة أن نتعرف على هؤلاء الأصدقاء والتنويه للطفل تنويهًا غير مباشر لكيفيه التعامل، وتدخل الأهل ومساعدة الطفل على بناء صداقات حقيقية وتوجيه اهتمامه بطريقة إيجابية.