فلسطين أون لاين

العكاز.. تاريخ من التموضع كمظهر حيوي شعبي

...
العكاز.. تاريخ من التموضع كمظهر حيوي شعبي
غزة/ هدى الدلو:

في كثير من الحالات والمشاهد حولنا، نجد أنه لا يظهر العكاز (العصا) حياديًّا لدى العديد من الأفراد الذين يستخدمونه، بحيث يقتصر على تلبيته حاجة محددة وفقط، إذ إننا نراه في أيدي كثير من المسنين، وكأنه أصبح قطعة من جسدهم التصقت بهم بعمق، ولكن هل تساءلت يوماً عن تاريخ هذه الأداة؟

لم تكن وجهة ارتباط الإنسان بالعصا، منذ فجر التاريخ، محكومة بنماذج ومتطلبات أغراض الاستخدام العصرية التي نراها في محيطنا، سواء للمشي أو لأغراض طبية أو غير ذلك، فقد كانت العصا مع الحجارة بمثابة الركائز الأساسية لدى الإنسان في عملية الدفاع عن نفسه من الوحوش والمخاطر المتنوعة في الغابات والكهوف، وفق مقالة للكاتبة رفعت أبو عساف.

وتوضح أن العصا مثلت أداة رئيسة في عمليات الصيد وتأمين الغذاء وعدة استخدامات حياتية مفصلية، كاستخدامها في أعمال الطهي وحمل الحاجيات المتنوعة إلى جانب مجموعة استخدامات أخرى متفرعة، وبطبيعة الحال، فإن هذا المعيار لم يبقَ ساكناً وثابتاً، إذ تماشت العصا في أغراض استعمالها، مع جميع مناحي وأجندة التطور في حياة الإنسان.

وتقول عساف: "تكشف الوثائق التاريخية بجلاء الاستعمال الواضح والصريح للعصا منذ أقدم العصور، ويتبدى ذلك لدى الفراعنة، حيث كانت رائجة لديهم كأداة للدفاع والقتال، وأيضًا كملمح وعنوان من عناوين الزعامة والتدليل على علية القوم (...) وبلغ الأمر حد أنه كانت ترسل العصا إلى المدفن مع صاحبها، حين وفاته".

استعمالات وتطور

تتابعت أنماط تطور استخدامات وأدوار العصا في حياة المجتمعات، فتجسد ذلك بأشكال متمايزة، وشهدت المجتمعات الأوروبية ضمن هذا الإطار بروز وجه آخر لشعبية العصا لدى الأفراد فيها، خلال القرون الوسطى، تمثل بشكل الصولجان، وذلك كامتداد لأغراض ودلالات استعمال العصا بوجهتها السيادية والمعبرة عن القوة.

وتضيف عساف: "هكذا تموضعت العصا كنمط مظهري حيوي في تمييز الوجهاء، والإشارة إلى المهمين من أبناء المجتمع، وطبعًا لم تكن هذه المعاني والاعتبارات بعيدة عن واقع الحال آنذاك، وقبل قرون أيضاً، في الصين والهند ودول شرق آسيا، إذ مثلت العصا نوعاً من الدلالة على الهيبة والوقار، فكانت ملتصقة بزي الملوك والأباطرة".

لكن تاريخ الموضة يكشف قصة هذه الزينة التي كانت من أساسيات إطلالات النبلاء، فقد بدأ انتشار عصا المشي في أوروبا في القرن السادس عشر، إذ أصبحت العصي جزءًا مهمًا من هيئة الشخص، لذا تكونت آداب معينة بشأنها.

فقد اقتنتها شخصيات تاريخية مثل إبراهام لنكولن وغاندي ولويس الثالث عشر، واعتمدها ممثلون عالميون مثل فريد آستير وجيمس بوند وشارلي شابلن، وأصبحت هذه العصا اليوم تحفة فنية متاحة لهواة الجمع ولعشاق الزينة النادرة الأنيقة، وفق تقرير نشره موقع "الجزيرة نت".

فعلى سبيل المثال، لم يكن الرجل يحمل عصاه تحت ذراعه، ولا يرتكز عليها، وكان من قلة الأدب إدخال العصا في حضور شخص مهم مثل الملك، فربما كانت تحتوي هذه العصا على سلاح.

ورغم أن العصا كانت بمثابة ملحق رئيس للذكور، فإنها شهدت استخدامًا شائعًا بين السيدات أيضًا، فعندما بدأت السيدات بارتداء المشدات الضيقة للغاية، انتشر استخدام العصي ليضعن بداخلها الخل أو الأملاح العطرية لتعيدهن إلى الوعي في حالة الإغماء بسبب نقص الأكسجين.

وفي فترة العصر الذهبي "بيل إيبوك"، من أواخر القرن التاسع عشر حتى بداية الحرب العالمية الأولى، أصبحت عصا المشي ملحقًا أنيقًا لأزياء الرجال البرجوازيين، وليس فقط للأرستقراطيين.

ثلاث فئات

وتصنف عصي المشي عامة إلى ثلاث فئات، عصي الفنون الشعبية وعصي المدينة وعصي الأدوات.

وفي الولايات المتحدة كان هناك أكثر من 1500 براءة اختراع لعصا الأدوات الذكية، فقد تكون العصا تحتوي على سلاح مثل السيف والسهام، وقد يكون بها قوارير صغيرة أو بخاخ يحتوي على العطور أو الكحول أو السموم، كما يمكن إخفاء السجائر والمكياج وحتى معدات الرسم.

وتنحت رؤوس عصي المشي يدويًّا، وهي مصنوعة من الخشب أو الخيزران أو خشب الأبنوس أو العاج أو قرن الحيوان والعظام، وفي بعض الأحيان تكون مصنوعة من الخزف أو الباكليت أو الذهب والفضة وحتى الزجاج، وتزين كذلك بالأحجار الكريمة.

ومن الجدير بالذكر أن اليونسكو أدرجت مهنة مصنعي العصي على قائمة التراث العالمي، وهي خطوة تلت إدراجها بلائحة الحرف النادرة في العالم.