أكد الرئيس السابق لحزب التجمع الوطني الديمقراطي بالداخل المحتل د. جمال زحالقة أن الجريمة تهدد استقرار المجتمع الفلسطيني في الداخل، وأن شرطة الاحتلال لا تحارب الجريمة، وتشجعها عمليًّا، وتساهم في توسّعها، وتتعامل مع فلسطينيي الداخل كأعداء لا يستحقون التمتع بالأمن الشخصي.
ويقول زحالقة وهو عضو عربي سابق في الكنيست الإسرائيلي في حوار خاص مع صحيفة "فلسطين": "هناك شعور بعدم الأمان، وبإمكانية أن يتعرّض الإنسان لإطلاق نار، حتى عن طريق الخطأ، وكثيرًا ما حدث ذلك، كما أن النزاعات بين عصابات الإجرام وأحيانًا بين عائلات تدخل المجتمع في حالة من التوتر الشديد، حيث تنتشر مظاهر القتل والثأر والانتقام، وتتحوّل إلى ظاهرة يومية مقلقة جدًّا".
مصدر الجريمة
ويوضح أن المصدر الأساسي للعنف والجريمة في المجتمع الفلسطيني في الداخل هي منظمات الإجرام، التي تخوض حروبًا داخلية، وتستهدف أيضًا الناس العاديين بهدف "الخاوة"، وتقدم كذلك "خدمات" قتلة مأجورين لتصفية الحسابات.
ويقول: إن "قوة هذه المنظمات والعصابات في العقد الأخير زادت في المجتمع (الفلسطيني بالداخل)، بالذات بعد نجاح الشرطة الإسرائيلية في سحق منظمات الإجرام اليهودية، بدون أن تمس منظمات الإجرام العربية، ما ساعد في نمو الأخيرة بعد اختفاء منافسيها عن الساحة".
المجرمون معروفون للناس ولشرطة الاحتلال لكنها تدعي عدم امتلاكها أدلة إدانة
ويوضح أنه بالرغم من تزايد أعمال العنف والقتل وجرائم السطو ونشر المخدرات، فإن شرطة الاحتلال، تمارس سياسة التمييز العنصري في هذا المجال أيضًا ولا تكافح الجريمة، ما يؤدّي عمليًّا إلى تشجيعها.
ونبه على أنه يجب الأخذ بعين الاعتبار أيضًا أن "الجريمة تعشش في ظل نظام الأبرتهايد"، وهكذا كان في جنوب إفريقيا، وهذا ما يحدث في كنف الأبرتهايد الإسرائيلي.
اقرأ أيضاً: حوار زعبي: الاحتلال استحدث الجريمة للسيطرة على الفلسطينيين في الداخل
ويؤكد زحالقة أن شرطة الاحتلال تتعامل مع المواطنين الفلسطينيين في الداخل كأعداء، وليس كمواطنين يستحقون التمتع بالأمن الشخصي، وهي مثل كل أذرع النظام الإسرائيلي، تمارس تجاه المجتمع الفلسطيني في الداخل سياسة التمييز العنصري في مجال مكافحة الجريمة، مثلما تمارسه "الدولة الصهيونية" في كل المجالات.
شرطة الاحتلال سحقت المنظمات الإجرامية اليهودية وتركت الساحة "للعصابات العربية"
ويضيف: "حتى الآن لم تتخذ الحكومة الإسرائيلية قرارًا بسحق منظمات الإجرام في المجتمع العربي الفلسطيني، ولم تتحرك بجدية، حتى بعد أن أيقنت أن الجريمة تتغلغل إلى المجتمع اليهودي في مجال بيع المخدرات مثلًا، إذ سيطرت منظمات إجرام عربية على هذه السوق في المدن اليهودية أيضًا".
كما يؤكد زحالقة أن حوادث القتل في ظل الحكومة اليمينية الفاشية الحالية، تضاعفت ثلاثة أضعاف، معتبرًا، ذلك إدانة واضحة للحكومة والشرطة والقضاء في دولة الاحتلال.
ويردف: "هناك قاعدة عابرة للجغرافيا والتاريخ، وهي أن كل جريمة بلا عقاب تشجّع على الجريمة التي تليها، فما بالك إذا كانت الغالبية الساحقة، من جرائم القتل في مجتمعنا تبقى بلا عقاب".
وبشأن من يقف وراء توسعها، وهل "المجرمون معروفون؟"، يؤكد أن المجرمين معرفون للناس ولشرطة الاحتلال، التي تدعي بأنّها تعرف، لكنّها لا تملك أدلّة الإدانة.
آفة تتوسع
ويعد الظاهرة آفة تتوسع باستمرار، وحتى بشكل تلقائي، إن لم يكن هناك من يحاصرها ويحد من انتشارها، والواقع أن شرطة الاحتلال، التي لا تحارب الجريمة، وتشجعها عمليًّا، وتساهم في توسّعها.
وحول وقوع أكثر من 1700 حالة قتل منذ عام 2000، يشير إلى أن هذا الرقم يقابله أقل من مئة قتيل في الفترة الممتدة من عام 1980 حتى سنة عام 2000.
حوادث القتل تضاعفت في ظل الحكومة اليمينية الفاشية الحالية ثلاثة أضعاف
ويقول: إن "عدد القتلى في تزايد مستمر، وما شهدناه في السنة الحالية بالذات من مضاعفة عدد القتلى في جرائم جنائية، وهو ناقوس خطر حقيقي".
ويشدد زحالقة "علينا كمجتمع أن نتحرّك لحماية أبنائنا وبناتنا، قبل فوات الأوان، ومن المهم الإشارة إلى أن معدلات الجريمة والقتل في مجتمع الداخل الفلسطيني هي أضعاف ما هي عليه في الضفة وفي غزّة، ونحن نفس المجتمع، ولنا نفس العادات والتقاليد، وحتى نفس "العقلية إذا جاز التعبير".
ويؤكد أن هذا العدد "الفظيع" من القتلى، هو نتاج مباشر لتشجيع الجريمة من سلطات الاحتلال، عبر عدم ملاحقة المجرمين ومعاقبتهم.
وعن سبب غياب المبادرات الشبابية والمجتمعية لمحاربة الجريمة، يشير إلى وجود مبادرات شبابية ومجتمعية، منها مبادرة "الحراك الفحماوي" لشباب مدينة أم الفحم، الذي تحرّك بقوة ونظم مظاهرات شارك فيها الآلاف.
ويستدرك: "لكن تبقى هذه المبادرة وغيرها أقل بكثير من المطلوب في ظل الارتفاع الحاد في معدلات الجريمة"، معربًا عن أمله بتحريك الشارع عبر مبادرات للجنة المتابعة العليا والأحزاب والحركات الفاعلة.
الأحزاب والحركات السياسية مقصرة بمكافحة الجريمة وبدأت تعي خطورتها
ويعتقد أن الغضب الشعبي على تعامل حكومة الاحتلال وشرطتها مع الموضوع، سينفجر في وجه النظام العنصري الإسرائيلي، عاجلًا وليس آجلًا.
دور النواب العرب
وعن دور النواب العرب، وقادة الأحزاب والمؤسسات عن مواجهة الجريمة، يقر بوجود تقصير من الجميع في موضوع مكافحة العنف والجريمة.
ويؤكد زحالقة أن الأحزاب والحركات السياسية والمنظمات الأهلية والمؤسسات الوطنية بدأت تعي حجم المشكلة وخطورتها على مستقبل مجتمعنا وعلى شبابنا وبناتنا، وجرى تنظيم مظاهرات ضخمة، لكن هناك حاجة للمزيد، ولتفعيل ضغط فعلي يُجبر شرطة الاحتلال على البدء في محاربة الجريمة، ونقول البدء لأنها لم تفعل شيئًا حتى الآن.
وبشأن مدى امتلاك أهل الداخل المقدرة على منع الجريمة، قال: "نحن لا نملك شرطة، ولا قدرة لنا على القبض على المجرمين ومحاسبتهم".
الجريمة "تعشش" في ظل نظام "الأبرتهايد" الإسرائيلي والكفاح ضدها هو كفاح ضده
ويضيف زحالقة: "ما نستطيع أن نفعله هو أن نطوّر أدوات لوأد الفتنة، ومحاولة منع ارتكاب الجرائم، لكن حين يتعلّق الأمر بمنظمات الإجرام فلا سلطة مجتمعية أو عشائرية عليها، وما قد يردعها هو الشرطة والمحاكم".
ويشير إلى أن لجنة المتابعة أطلقت عدّة مبادرات لمكافحة الجريمة، و"نأمل أن تأتي بنتائج"، كما أعدت اللجنة تقريرًا مفصلًا حول جذور الجريمة، وطرحت مشاريع لمكافحتها، معظمها من خلال الحكم المحلي من بلديات ومجالس محلية.
وحول تأثير الجريمة على الحالة النضالية في الداخل، يقول: إن "الجريمة من الناحية المبدئية والمفاهيمية "تعشش" في ظل نظام الأبرتهايد الإسرائيلي، والكفاح ضدها هو كفاح ضده، والنضال ضد الأبرتهايد هو نضال ضد الجريمة".
ويضيف: "الحراك النضالي ضد الجريمة رافعة لنضال ضد النظام الإسرائيلي برمته، وضد سياساته العنصرية في مجالات الحياة كافة".