يشهد المجتمع الفلسطيني في الداخل المحتل زيادة مقلقة للمراقبين في عدد جرائم القتل بالأعوام الأخيرة، ما يثير مخاوف الأهالي الفلسطينيين الذين يشتكون من انعدام الأمن والاستقرار في مناطقهم.
ووفقًا لإحصائيات صادرة عن لجان إفشال السلام في الداخل المحتل، وصل عدد جرائم القتل إلى 121 جريمة منذ بداية العام الجاري حتى منتصف يوليو الحالي. يُعد هذا الرقم مُقلقًا جدًا، خاصة أنه يُظهر ارتفاعًا ملحوظًا في عدد القتلى مقارنة بالأعوام السابقة.
من الملفت أيضًا أنه في عام 2022، بلغ عدد ضحايا جرائم القتل 109 قتلى، بينهم 12 امرأة، وكذلك في عام 2021، وثقت أكثر من 111 ضحية من بينهم 16 امرأة. وفي العام 2020، قُتل 100 شخص بينهم 16 امرأة، وفي عام 2019 قُتل 93 فلسطينيًا، بينهم 11 امرأة.
ارتفاع ملحوظ
ويفيد السكرتير العام للجان إفشاء السلام في الداخل المحتل، توفيق عريعر، أن معدلات الجريمة في المجتمع الفلسطيني بالداخل قد بدأت ترتفع بآلية ملحوظة بعد انتفاضة الأقصى في عام 2000م، ووصلت إلى ذروتها بعد "هبة الكرامة" التي جاءت امتدادًا لمعركة "سيف القدس" في مايو 2021م.
ويشير عريعر في حديثه لصحيفة "فلسطين" إلى أن حصيلة ضحايا جرائم القتل بلغت 121 جريمة منذ بداية العام الجاري، وقد وجه اتهامًا لشرطة الاحتلال بالتواطؤ في هذه الجرائم التي انتشرت في الداخل الفلسطيني المحتل.
ويؤكد عريعر أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي اتبعت سياسة تهدف إلى تفكيك النسيج الاجتماعي لأهالي الداخل، وذلك نتيجة لمواقفهم البطولية في رفض إجراءات الاحتلال في القدس والأقصى، ودعمهم للمقاومة في معركة "سيف القدس".
وينبه على أن سلطات الاحتلال تقدم الحماية والتغطية لعصابات الإجرام لارتكاب جرائمها وترويع الأهالي بالداخل بسبب مواقفهم المناصرة للقدس والمسجد الأقصى.
اقرأ أيضاً: زحالقة لـ"فلسطين": الاحتلال يُغذّي الجريمة في الداخل المحتل
ويلفت إلى أن معدلات الجريمة في الضفة الغربية وقطاع غزة تظل بسيطة جدًا وتكاد لا تذكر، وذلك بسبب وجود أجهزة أمنية تحارب الجريمة، في حين يشهد الداخل الفلسطيني المحتل ارتفاعًا غير مسبوق في معدلات الجريمة، ويعود ذلك لعدم تحرك شرطة الاحتلال بنفس الجدية للقضاء على الجريمة في تلك المناطق.
ويذكر عريعر أن ضباطًا في شرطة الاحتلال أكدوا ذلك في لقاءات مع الإذاعات والقنوات العبرية، إذ ذكر أن رؤساء عصابات الجريمة لا يمكن معاقبتهم بسبب ارتباطهم بأجهزة مخابرات الاحتلال.
ويؤكد أن شرطة الاحتلال تتسرّع في اعتقال عصابات الإجرام إذا تسببوا في تهديد إستراتيجي لأمن دولة الاحتلال، لكنها تتجاهلهم في حال ارتكبوا جرائم داخل البلدات والقرى الفلسطينية في الداخل المحتل.
وفي إشارة إلى دور شرطة الاحتلال في تفاقم هذه الجرائم، يؤكد أنها تسهم في توفير الأسلحة في المناطق الفلسطينية وتدعم عصابات الإجرام عبر تزويدها بالأسلحة وتلبية احتياجاتها منها، وفي نفس الوقت تتجاهل تحركاتهم لإشغال الفلسطينيين بقضايا داخلية وتهميش القضايا الوطنية، وخاصة ما يحدث في المسجد الأقصى.
وفي هذا السياق، يدعو عريعر إلى التعاون والتضافر من أجل نشر قيم التسامح والمحبة ووقف تدفق الدم في الداخل. ويوضح أن لجان إفشاء السلام والإصلاح التابعة للجنة المتابعة العليا للجماهير الفلسطينية في الأراضي المحتلة عام 1948 تعمل بجد لنشر هذه القيم بين مختلف شرائح المجتمع، وتلتقي مع الطلبة والعائلات والمؤسسات المعنية لنبذ عصابات الإجرام.
ويؤكد أهمية توعية الأهالي بمخاطر انتشار عصابات الإجرام في المجتمع، وضرورة الضغط على سلطات الاحتلال لتحمل مسؤوليتها في محاسبة المجرمين.
تغذية الجريمة
مواكبًا لتصريحات عريعر، يؤكد الكاتب والمحلل السياسي سليمان أبو ارشيد أن سلطات الاحتلال تعمد على تغذية الجريمة في مدن الداخل الفلسطيني المحتل، ويتفق مع سابقه في أنها تتجاهل عصابات الإجرام وتفلتها من العقاب نظرًا لتعاونهم معها وتزويدهم بالمعلومات المفيدة لها.
وفي حديثه لصحيفة "فلسطين"، يوضح أبو ارشيد أن الانتفاضة التي نفذها أهل الداخل المحتل في وجه سلطات الاحتلال في "هبة الكرامة"، كشفت عن فشل جميع مخططات الاحتلال لإخضاع الفلسطينيين، وهو ما دفع الاحتلال للعمل على تخريب مجتمعهم عبر دعم عصابات الإجرام وتزويدها بالأسلحة وعدم اتخاذ إجراءات رادعة بحقهم.
ويؤكد أن سلطات الاحتلال زرعت على مدى السنوات الماضية بذور الفتنة بين العائلات الفلسطينية ونشرت السلاح في المجتمع، وذلك بهدف زعزعة الاستقرار في مناطقهم وتفريق الشعب الفلسطيني. كما يؤكد أنها قضت على عصابات الإجرام الإسرائيلية ودعمت العصابات العربية لتنفيذ سياستها وتحقيق أهدافها.
ومن أجل التصدي لهذه الظاهرة الخطيرة، يدعو أبو ارشيد جميع الجهات المعنية إلى توعية المجتمع، ولا سيما فئة الشباب، بمخاطر انتشار السلاح وعصابات الإجرام في المدن الفلسطينية بالداخل وكشف هوية ومصالح من يقف وراءها.
كما يؤكد أهمية توجيه الشباب نحو القضايا السياسية الوطنية وتعزيز وعيهم بمخاطر هذه الظاهرة على الشعب الفلسطيني.
تفتيت المجتمع
وينبه عضو الهيئة الوطنية لدعم وإسناد شعبنا الفلسطيني في الداخل المحتل د. أسعد جودة، إلى أن سلطات الاحتلال منذ احتلال الأراضي الفلسطينية عام 1948 وحتى الوقت الحالي تسعى للاستفراد بشعبنا وتهميشه عبر سياسات القمع والإذلال بهدف تهجيره عن أراضيه وتقييده في مناطق محددة.
ويضيف جودة في حديثه لصحيفة "فلسطين"، أن الاحتلال عمل طيلة السنوات الماضية على زرع الفوضى والفساد في القرى والبلدات الفلسطينية في الداخل المحتل، بترويج المخدرات وتوزيع السلاح وزيادة حالات الجريمة، خاصة بعد أن دعم الأهالي مدينة القدس والمسجد الأقصى وساندوا المقاومة في قطاع غزة في معركة "سيف القدس" بمايو 2021.
ويشير إلى أن الاحتلال حاول تشويه صورة الفلسطينيين وإبراز أنهم يشكلون خطرًا على أمن المشروع الاستعماري الإسرائيلي، مستغلًا التصاعد في الجرائم والعنف الذي يحدث في المناطق المحتلة.
ويعد ما يحدث في أراضي الـ 1948م، سياسة ممنهجة من سلطات الاحتلال للتنغيص على الأهالي بالداخل المحتل، كي لا يكون لهم موقف تجاه قضايانا الوطنية، فعمدت على زيادة جرائم تهويد أراضي الداخل وهدم المنازل في القدس والنقب لإشغال الأهالي بقضاياهم وهمومهم بعيدًا عن القضايا الوطنية.