يعيدك المشهد في "قصر الباشا" الأثري إلى حقبة تاريخية تمثل تراث وهوية شعبنا الفلسطيني المتجذر في أرضه، منذ آلاف السنين، إذْ تزين معرض "تراثنا هويتنا 2023" بالمشغولات اليدوية التراثية، والأدوات النحاسية القديمة التي تحافظ عليها الأجيال الشابة، وتدمجها ضمن مشغولات عصرية تضفي عليها طابعاً تراثيًّا وتاريخيًّا.
وتنظم المعرض وزارة السياحة والآثار بغزة، بالتعاون مع الهيئة الفلسطينية للثقافة والفنون والتراث لمناسبة "يوم الزي الفلسطيني"، الذي يوافق 25 يوليو/ تموز كل عام.
أصالة وحداثة
واكتظ المكان الواقع شرق مدينة غزة، ويعود تاريخ بنائه لما قبل ثمانمائة عام بالزوار، الذين جاؤوا ليمتعوا أنظارهم بمشغولات حاكتها أيدٍ فلسطينية نسائية.
وحيثما تجولت في المعرض تلفت أنظارك مشغولاتٍ يدوية تعكس التراث الفلسطيني ما بين أثواب وملابس مطرزة وأدواتٍ قديمة و"اكسسوارات" دمجت بين الأصالة والحداثة.
وضجت طاولة عرض خاصة بالسيدة هدى أبو عودة، من ذوي الإعاقة ومريضة بالسرطان، بمشغولات يدوية مطرزة ما بين حقائب وإكسسوارات، إذ تمتهن "التطريز" منذ عشرين عاماً.
وتشعر أبو عودة بالفخر والإنجاز، وهي تعمل في هذا المجال التراثي الذي يعكس هوية شعبها، ويربطها بتراث الآباء والأجداد، وتبين حرصها على التواجد في كل المعارض التي تتيح لها التواصل مع الجمهور.
وبالقرب من أبو عودة تجلس راوية عياد التي تمتهن صنع المشغولات اليدوية، والإكسسوارات، ودمج التطريز بداخلها.
وتقول: "أصنع إكسسوارات بشكل يدوي، أحرص على دمج التطريز فيها بما يميزها عن مثيلاتها في العالم، وبجانبها أصنع إكسسوارات من الفضة، تلك التي تقبل عليها النساء الفلسطينيات منذ زمن طويل".
هوية شعب
وتعمل عياد في هذا المجال منذ 10 سنوات، وعادة تسوق منتجاتها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لكنها في الوقت نفسه تغتنم أي فرصة لوجود معارض تراثية تمكنها من التواصل مع الناس وتبادل الخبرات والمنفعة.
وغير بعيدٍ عن "عياد" يجلس خضر بنات ليعرض "الأنتيكا" التي جمعها منذ قرابة خمسة وثلاثين عاماً من عمره، لأدوات كهاتف قديم وجرس وأدوات نحاسية أخرى كان يستخدمها الفلسطينيون قبل نكبة عام 1948م.
ويرى بنات في تلك الأدوات انعكاسًا لمراحل مهمة من تاريخ شعبنا، تؤكد وجوده على هذه الأرض، لذلك فهو يجمعها بكل الطرق الممكنة، ويحرص على عرضها في المعارض المعنية بالتراث الفلسطيني، مثنياً على الجهود المبذولة للحفاظ على التراث، وداعياً إلى مضاعفتها.
مكانة تاريخية
وللمعارض التراثية دوران، يتمثلان بتشجيع الاستثمار، والحفاظ على الموروث التاريخي الحضاري لشعبنا، الذي ورثناه جيلًا بعد جيل، منذ وطأ الكنعانيون أرض فلسطين، وعمروها، وبنوا المدن فيها، بحسب وكيل وزارة السياحة والآثار د. محمد خلة.
ويقول: "هذا التراث يشهد على العمق التاريخي والحضاري لشعبنا في هذه الأرض المقدسة، فشعبنا حافظ على زيه التراثي وتاريخه وحضارته عبر العصور المتتابعة وأورثها لأبنائه، لذلك فإن الاحتلال منذ اغتصب أرضنا، يعمل على طمس هويتنا بكل ما أوتي من قوة".
ويردف: "الاحتلال حاول أن يسرق الزي الفلسطيني، وهو يجري حفريات تحت المسجد الأقصى، محاولاً أن يثبت ادعاء وجوده على هذه الأرض، لذلك فإن الحفاظ على التراث الفلسطيني هو حفاظٌ على هوية شعبنا".
ويلفت إلى أن المعرض يأتي كتجسيد لتاريخ وحضارة شعبنا، ودليل على تواجده في هذه الأرض عبر مختلف العصور كالرومانية والإسلامية.
وتابع: "شعبنا يثبت من خلال تمسكه بتراثه، تمسكه بأرضه"، مشيراً إلى أن الوزارة تعمل ضمن خطة إستراتيجية متكاملة للحفاظ على هوية شعبنا، عبر ترميم الآثار والتنقيب عنها، "فالتراث والآثار والسياحة هي أمور مكملة لبعضها البعض".
ويشير إلى أن الوزارة تعمدت عقد المعرض في "قصر الباشا" الذي يعكس حضارة شعبنا، مشيراً إلى قيامها مؤخراً بترميم "سوق القيسارية "الذهب"، والمدرسة الكاملية (التي تعود للعصر الأيوبي)، ودير القديس هيلاريون، والكنيسة البيزنطية، وحمام السمرة، وكثير من البيوت الأثرية في البلدة القديمة لغزة.
عناية بالأجيال
بدوره، بين رئيس بلدية غزة د. يحيى السراج اهتمام البلدية بالأماكن الأثرية في غزة، كونها تعبر عن عبق التاريخ فيها، وصمودها أمام جميع التحديات، معتبراً أن الاهتمام بالتراث الفلسطيني وعقد معارض خاصة به، هو أمرٌ مهم جدًّا لنقله إلى الأحفاد والأجيال الجديدة.
وأكد اهتمام البلدية بالتعاون مع وزارة السياحة والمؤسسات المعنية بإعادة ترميم المباني الأثرية في غزة، إذ تعمل على ترميم مبنى البلدية الأثري، وقد وضعت الخطط اللازمة لتطوير "سوق الزاوية" لتعود مكانته التاريخية، ولاحقاً سترمم شارع فهمي بك الحسيني الأثري.