هي مصالحة بين نهجين سياسيين، اختلفا وتفارقا، ولذلك فالمصالحة تقوم على التوافق والتراضي بين طرفي الانقسام، بعيدًا عن العلاقة الشخصية التي تربط بين مسؤول حماس في قطاع غزة يحيى السنوار، وبين النائب محمد دحلان، وأثر تلك العلاقة على الأجواء الإيجابية للمصالحة الفلسطينية، بشقيها التنظيمي والفصائلي، وبعيدًا عن الزيارة التي قام بها وفد ضم وزير التعليم السابق ناصر الدين الشاعر إلى السيد محمود عباس، وما جري بعد ذلك ما تفاهمات مصالحة بين فتح وحماس.
وحيث لا ينكر عاقل ما للفرد من دور في التاريخ، وحيث لا يمكن تجاهل العلاقة الشخصية، وأثرها في تقريب وجهات النظر، إلا أن المصالحة الفلسطينية غير محكومة بمزاج أشخاص، ولا هي خلاف شخصي بين اثنين، أو بين قبلتين، ولا تخضع المصالحة الفلسطينية إلى رأي هذا الفرد أو ذاك، بعيدًا عن المصلحة العامة، ولا تخضع المصالحة إلى تقديرات آنية لهذا الطرف أو ذاك، ويشهد على ذلك الاهتمام العربي والإقليمي والدولي الواسع بالمصالحة الفلسطينية.
لقد عكس الشارع الفلسطيني رغبة حقيقية في الوصول بالمصالحة الفلسطينية إلى بر الأمان، وهذا ما يحفز عقلاء القوم إلى مراجعة الأسباب التي أدت إلى الانقسام، بل والأسباب التي أدت إلى طول أمد الانقسام كل هذه الفترة، والتي ترجع وفق تقدير كثير من المفكرين إلى الأسباب الآتية:
1ـ غياب الشراكة السياسية في المؤسسات الفلسطينية، وعدم اعتماد أسلوب التشاور مع الجميع، والتفاهم على خطوات عمل سياسية منسقة ومدروسة.
2ـ التفرد بالقرار السياسي والعسكري الفلسطيني هنا وهناك دون الأخذ بعين الاعتبار رأي بقية أطراف المعادلة الفلسطينية.
3ـ الديمقراطية الموسمية، حيث تجرى الانتخابات لمرة واحدة، ولهذا أثر سلبي في تغييب الجمهور الفلسطيني، وإضعاف رغبته في النطق بالحكم على مجريات الأحداث.
4ـ تنامي عدم الثقة بين التنظيمات الفلسطينية كافة، حتى بات الشك مطلقًا بين هذا وذاك، وباتت الثقة نسبية بمقدار المصالح الآنية لبعض التنظيمات.
لما سبق، فإن ما يجري على أرض غزة من ترسيخ لمفهوم الوحدة الوطنية الفلسطينية بحاجة إلى شد أزر من الجميع، ولا يكون شد الأزر بإصدار البيانات والابتسامات واللقاءات والتصريحات بمقدار ما يتمثل ذلك بالمواقف العملية التي تعكس روح التوافق، والإقرار بأن هذا الوطن ليس ملكًا لتنظيم بعينه، وليس ورثة لشخص بعينه، وإنما هو وطن مغتصب من حق الجميع أن يشارك في تحريره، ومن حق الجميع أن يسهِم في بنائه، ومن حق الجميع أن يفكر بصوت مرتفع بالمنهاج السياسي الذي تتوافق عليه كل الأطراف، ويصب في صالح القضية الفلسطينية.