في الحياة نقابل أنماطًا مختلفة من الشخصيات، ومنها الشخص "الوقح"، وهو الذي يتجاوز كل الحدود الأخلاقية ولا يهتم بمشاعر من يتحدث إليه، ويهاجمه وينتقده باستمرار ودون داعٍ، ويجعله متوترًا وغير مرتاح للبقاء معه، ويصل الأمر إلى درجة أن يكره الناس الالتقاء بمن يرونه شخصا وقحا، أو التواجد معه في مكان واحد.
كثيرا ما يكون رد الفعل اللحظي في مواجهة الشخص الوقح هو العصبية وعدم التحكم بالنفس، وبهذا يكون ذلك الشخص قد حقق مراده في استفزاز الطرف الآخر، لأنه بطبعه يشعر بالإنجاز عندما يهين الآخرين ويجرّهم للردّ عليه، وإن كان هذا هو الحال.. فما هو الأسلوب الأفضل للتعامل مع الوقح؟
شجارٌ وتبعاتٌ نفسية
"آية أبو هاشم" (25 عامًا) قالت: إن "الشخص الوقح هو من أسوأ أنواع الشخصيات والتعامل معه صعب جدًا، لأنه إنسانٌ حاقد، ولا يتمتع بقيم أخلاقية، وبالتالي فهو يهدف إلى إحباط وإفشال أي شخص يتعامل معه".
وأضافت: "لست من النوع الهادئ، بل أنا عصبية ومتسرعة في رد فعلي دوما، لذا فإنني أواجه وقاحة أي إنسان بالرد على وقاحته فورا، ويمكن أن يتطور الأمر إلى حدوث شجار، وهذا له تبعات نفسية صعبة للغاية بالنسبة لي، إذ تجعلني دائمة التوتر والقلق".
وتابعت: "لذا أصبحت حينما أنتبه إلى كون الشخص الذي أمامي مستفزا ووقحا أصمت وأنسحب من النقاش وأتحاشى التواجد معه في نفس المكان، ولكن إذا تكرر الأمر منه، واستفزني بوقاحته أكثر من مرة فلا أهدأ إلّا حينما أرد عليه بنفس أسلوبه في موقف آخر".
بالابتسامة
أما رانية شمالي تجد أن الأسلوب الأفضل للرد على الشخص الوقح هو الصمت أو الابتسام، وذلك حتى لا يحقق مراده، لأن العصبية والانفعال ما هي الا استنزاف لطاقة الشخص وسبب قوي لإلحاق الأذى النفسي به، من وجهة نظرها.
وبينت شمالي لـ"فلسطين": "هدوئي هو سبب لاستفزاز للشخص الوقح، حيث أتعامل مع كلامه كأنه لا شيء، ولا أعطيه أي اهتمام، بل أحافظ تماما على تمالك أعصابي، إن اضطررت للرد على وقاحته فأنا أفعل ذلك بكل هدوء، وبكلام يجعله يهتز من داخله، ولكن بأسلوب لا يخرج عن نطاق الأدب".
ضبط النفس
وبدوره، بين الأخصائي النفسي الدكتور إياد الشوربجي أن الشخص الوقح قد يكون وقحًا بقصد أو دون قصد، بحيث يستمتع بإيذاء الآخرين وبالتعاسة التي يسببها لهم، ويشعر بالسعادة لضيقهم وبؤسهم، وتلك الشخصية مصابةٌ بالنقص، لا تجد المتعة والسعادة إلا على أنقاض الآخرين وحزنهم.
وأوضح الشوربجي لـ"فلسطين" أن هذا الشخص يعيش حالة من الضعف وكره الذات وعدم القدرة على التفاهم والتصالح مع نفسه، مبينا: "هذه الشخصية في الأصل تفتقد المعنى والهدف وحتى الأفكار السليمة، وهي عاجزةٌ عن إيجاد السعادة، وبمرور الوقت يصبح صاحب هذه الشخصية حقودًا وكارهًا لسعادة الآخرين، بسبب عجزه عن الإحساس بالسعادة، ولذلك فهو يساهم في حزنهم، ومن هنا تأتي سعادته".
وأشار إلى أن الإنسان الوقح يجتهد في جعل سلوكه وأفعاله وكلماته أكثر وقاحةً وبشاعةً، ويحاول أن يجعلها تسبب جرحًا كبيرا في نفسية الآخرين، دون أن ينتبه إلى أن هذا السلوك يزيد تعاسته، لأن النتيجة الطبيعية له أن الناس ينفرون منه ويكرهونه ويأبون التعامل معه.
وقال الشوربجي: "الشخص الوقح لم يُولد وقحا بالفطرة، بل التنشئة الاجتماعية التي تلقاها جعلته كذلك، فنشأته تكون خالية من ترسيخ القيم الأخلاقية والتربوية والدينية الصحيحة، وبالإضافة إلى أنه قد يكون تلقى الدلال الزائد دون محاسبة من والديه على أخطائه".
وعن الرد المناسب على الشخص الوقح، أضاف الشوربجي أن كل شخصية لها نمط خاص للتعامل معها، ويتوقف اختيار أسلوب الرد على طبيعة العلاقة بذلك الشخص، متابعا: "لا بد من الرجوع للهدي النبوي في التعامل مع أنماط الشخصيات، أي بضبط النفس، وليتذكر قول الله تعالى في القرآن الكريم: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)".
وواصل: "التعامل مع الشخص الوقح قد ينتج عنه الغضب والقلق والتوتر، ولذا فالأفضل لمن يواجهه أن ينسحب من المكان، أو أن يصمت وأن يستحضر عواقب وتبعات المشكلة التي قد تحدث فتزيد الأمور تعقيدًا وسوءًا في حال الرد عليه بنفس أسلوبه، ومن الجيد مقابلة الإساءة بالإحسان والرد عليه بكلمات طيبة مثل (شكرا) لامتصاص غضبه، أو بابتسامة تشعره بأن من يوجه له الحديث ليس متأثرا بكلامه".
ولفت الشوربجي إلى أن "بعض الناس قد يفسرون الصمت بأنه ضعف، وهذا قصور في تفكيرهم، لذا إن تكرر الفعل عدة مرات من نفس الفرد فلا بد من مراجعته ومصارحته للاعتراض على أسلوبه، ولكن على انفراد بعيدا عن الآخرين".