مع إعلان نتائج الثانوية العامة (التوجيهي 2023) اختلطت مشاعر الناس بين البسمة والدمعة، لكنه ساد جو من الفرحة العارمة والمباركات والتهاني للناجحين في جميع المناطق الفلسطينية، وهي المواقف التي تتلاشى فيها الحروف وتتساقط فيها الكلمات، ويجد الشخص نفسه عاجزاً مهما عبر عن فرحه، ولو كانت بجميع الطرق، تلك الفرحة التي ينتظرها الجميع لحظة بلحظة للإعلان نتائج الثانوية العامة، حيث تكون أصعب الأوقات في حياتهم، نتيجة أن الأهل والطلاب لا يدرون هل سيفرحون أم سيحزنون، وكان الكل في انتظار وترقب قبل موعد إعلان النتائج صباح أمس الخميس.
لاشك أن نتائج التوجيهي من أجمل المراحل التي يمر بها الطالب الناجح، ولها وقع كبير على مشاعر أهله وذويه، إذ تكون مليئة بالفرحة والسعادة، ويكون لها طعم، ولون آخر يختلف عن باقي المناسبات في المجتمع الفلسطيني، الذي يعاني ويلات الاحتلال والظلم والقمع والمداهمات والاقتحامات والاستيطان ومصادرة الأراضي والبيوت والحصار، خاصة قطاع غزة المفروض عليه أكثر من عقد ونصف العقد، ومعاناة أهله وحرمانهم من كثير من الأمور الحياتية على رأسها الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي ساعات طويلة، وهي في حد ذاتها من أكبر الإشكاليات التي يواجهها الطلاب في أثناء العملية التعليمية، مما سبب لهم معاناة كبيرة في الدراسة وعند تقديم الامتحانات.
لكن برغم كل هذه المعاناة والمشقة التي عايشها طلابنا، استطاعوا شق الصعاب وتحطيم مخططات الاحتلال على صورة التحدي، الهادفة إلى تجهيل شعبنا المصر على تحديه بالعلم تارة والمقاومة تارة أخرى، فها هم طلاب الثانوية العامة يتخرجون بجدارة جيلًا وراء جيل، بعد انتظار طويل بفارغ من الصبر والجلد لنتائج امتحانات الثانوية العامة قبل شهر.
أجل جاء وقت حصاد المجهود والجهد الطويل على مدار عام دراسي، نتيجة الضغوط النفسية التي يتعرض لها الطالب في أثناء انتظار النتائج بين الشك واليقين لتوقعه النجاح، ولكن يكون لأثر الخبر السعيد عليه وقع كبير، حيث تغمره الفرحة، وأجمل ما في الأمر أن الفرحة لا تتكرر، إذ تحفر في القلب وترسم السعادة والبهجة على الوجه، وتزيد النفس اعتزازاً وافتخاراً، ويكون له طلة مميزة بين الجميع كنوع من الاحترام والتقدير، وبسمة أنيقة في أثناء إخباره الجميع بنجاحه وتفوقه، لذلك لا يلوم الأهالي الطلاب الذين يستخدمون جميع الوسائل في التعبير عن فرحتهم كإطلاق الألعاب النارية، والخروج في السيارات، وإطلاق الزوامير والأناشيد، والصدح بالتكبير، وإطلاق الزغاريد، وتوزيع المشروبات والحلوى على المهنئين (تحلية النجاح) وتعليق الزينة...
النجاح أجمل شعورٍ بالحياة، وهو البداية التي يُحقّق فيها الإنسان طموحه ليصل إلى مستقبلٍ مشرق، فبه سيحدد كل طالب مصيره ومستقبله، كونها تعدُّ مرحلة فيصلية في حياته، إذ يترتب عليها شق طريقه نحو التعليم العالي (الجامعي)، بل يرتبط في الغالب هذا بتحديد مستقبل أسرته خاصة ومجتمعه عامة، ولا أحد ينكر تداعياته الإيجابية على القضية الفلسطينية إجمالاً، فكما عبر عنه الشاعر هنا: “العلم يبني بيوتًا لا عماد لها.. والجهل يهدم بيوت العز والكرم”. فالنجاح بشكل عام لم يأتِ من فراغ، وطريقه محفوفة بالصعاب، وليست معبدة بالورود، بل إن طريق النجاح مليئة بالصعاب، لذا يحتاج كل طالب إلى عزيمة، وإرادة قوية، وعدم الاستسلام والتراجع عن هدفه الأسمى، حتى لو لم يوفَّق في إحدى المرات، المهم ألا يشعر أن نجاحه شيء صعب المنال، خاصة إذا مر بلحظات من الفشل أو السقوط، لكن هذا لا يعني ألّا يواصل الطالب سعيه نحو النجاح مرات ومرات دون كلل أو ملل، خاصة عندما يرى زملاءه وجيرانه الناجحين يفرحون في مثل هذه المناسبة.
النجاح ليس مجرد رغبة، وإنما هو عبارة عن بذل جهد ومثابرة وتحدٍّ لظروفه، يتم ترجمتها عمليًّا، لهذا يجب أن يكون النجاح مبنيًّا على أسسٍ وقواعد ثابتة، ولعل الدافع الأكبر هنا أن يكون قريباً من الأشخاص الناجحين والأشخاص الذين لديهم طاقة إيجابية يمنحونها للآخرين، وأن يبتعد عن المحبطين الفشلة وكل الملهيات والمغريات، وعدم إضاعة الأوقات في أمور تبعده عن دراسته، لكي يصل الطالب إلى مبتغاه؛ قال تعالى: “وأن ليس للإنسان إلا ما سعى”.
أبارك لكل طلابنا الناجحين في الثانوية العامة، فمن جد وجد ومن زرع حصد، ولكل مجتهد نصيب، فالنجاح سلعة غالية لا يعرف قيمتها إلا المتفوقون، الذين يكابدون الصعاب من أجله، ليواصلوا طريقهم العلمي لتحصيل أعلى الدرجات؛ كي ينفع بها أولًا نفسه ثم أهله وشعبه، وأن يكون قدوة للآخرين، فما أحوجنا كشعب فلسطيني إلى أن نكون مجتمعًا متعلمًا ومثقفًا، لكي نغيظ بها عدونا المجرم، فكما قلت في مطلع هذا المقال، أننا بالعلم نقاوم، وهو سلاحنا الوحيد في التحرر من الاحتلال، الذي يحاول بكل ما استطاع محاربتنا به، ففي كل عدوان يهدم المدارس والجامعات ودور العلم، ويعمل على تحريف وتهويد المناهج وتغير الحقائق، كما يفعل الآن في مدينة القدس المحتلة، وكذلك يحرم الأسرى من التعليم، بهدف تجهيل شعبنا بوطنه وقضيته، ليبقى خاضعاً لسياسة الأمر الواقع بين مطرقة التنسيق الأمني وسندان الاعتقالات، التي تجرى على قدم وساق مع السلطة في الضفة المحتلة، لكن النتائج جاءت مغايرة للقاصي والداني، فما وصلت إليه اليوم المقاومة في غزة والضفة من تطور وسائلها القتالية إلا بفضل العلم.