أحدثت الأجهزة اللوحية تغييرات جذرية في طريقة ممارسة الألعاب الشعبية التي تشكل جزءًا لا يتجزأ من ثقافتنا وتراثنا، فقد كانت الأطفال يتجمعون للعب مجموعة متنوعة من الألعاب التي تعزز التفاعل الاجتماعي واللعب الجماعي.
أما اليوم فبالكاد يحدث ذلك، في حين ينكفئ كل واحد منهم على جهاز محمول متصل بالإنترنت، فلم نعد نرى الفتيات الصغيرات يتجمعن حول خطوط رسمنها على الأرض لتأخذ كل واحدة دورها في لعبة "الحجلة"، و"طاق طاق طاقية"، أو فتية يلعبون "العنبر"، و"عسكر وحرامية".
الهاتف أولاً
الطفل سميح صالح (12 عامًا) لديه معرفة بغالبية الألعاب الشعبية الفلكلورية بفضل ما تعلمه في الكتاب الوزاري بالمرحلة الأساسية "التنشئة الوطنية"، وحينها شرح مدرس المادة بالتفصيل تلك الألعاب، ونُفذت على أرض الواقع.
يقول مستدركاً: "لكن بالنسبة لممارسة ولعب الألعاب الشعبية فقد ولّى عهدها، ولم يبقَ منها سوى كرة القدم التي تعد اللعبة الشعبية الأولى في العالم، ومع ذلك أحيانًا نستبدلها باللعب الإلكتروني، لكونها لا تحتاج لأي مجهود بدني مقارنة بالألعاب الشعبية القديمة".
وتلفت والدته إلى أن أبناءها يمارسون "أحيانًا" بعض الألعاب الشعبية التي تتطلب غالبيتها مشاركة عدد من الأولاد، لكن الأمر يتوقف على الذهاب إلى النادي الذي يبعد عن بيتهم بضعة كيلومترات حتى لا يسببوا أي نوع من الإزعاج، أما ابنتها التي تكبر شقيقها بعام فتكتفي بالألعاب الإلكترونية.
أما الطفلة أروى الشرافي (10 أعوام) فكانت تجمع مع بنات عمها عصرًا في غالبية أيام العطلة الصيفية للعب الحجلة أو نط الحبل، أما اليوم فأصبحن يقضين أوقاتهن على الهواتف المحمولة وألعابها الإلكترونية.
تقول: "لم تعد رفيقاتي في اللعب يفضلن ممارسة هذه الألعاب"، لافتة إلى أن والدتها لا تسمح لها سوى بوقت محدود للجلوس على هاتف الأم، إلا أنها بعد انتهائه تجلس بجانب شقيقتها وهي تلعب بالهاتف المحمول.
فوائد غير محدودة
يُعرف د. إدريس جرادات مدير مركز السنابل للدراسات والتراث الشعبي، اللعب بأنه عمليات ديناميكية تعبر عن حاجات الفرد وطموحاته ورغباته في الاستمتاع والفرح والمرح والتفريغ النفسي، في حين تعبر الألعاب الشعبية عن الواقع الذي يعيشه الشخص لتحقيق هدف محدد.
ويشير إلى أن الألعاب الشعبية الفلسطينية منها ما يناسب الذكور أو الإناث أو مختلطة إلى أن تبلغ الفتيات سن البلوغ، كما أن بعضها يناسب أيضًا كبار السن، لافتًا إلى أن الألعاب موسمية منها ما يناسب فصل الشتاء والخريف أو الصيف والربيع، وتختلف الألعاب التي يمارسها الأطفال في ساعات النهار عن تلك التي يمارسونها في المساء.
ويبين جرادات أهمية مثل تلك الألعاب التي تحمل دلالات تربوية يكتسبها الشخص من خلال اللعب التزامه بالقوانين والقواعد والتعليمات، وأهمية اجتماعية لكونها تنمي روح العمل الجماعي، وتقبل الهزيمة، عوضاً عن تعزيز الألفة.
ولهذه الألعاب أهمية عقلية، وفق الاختصاصي التربوي، فهي تنمي المدركات والمعارف والمهارات وتساعد على نمو الذاكرة، وسرعة الخاطرة من خلال التمييز والانتباه في الأداء وضبط الحركة.
كما تساعد على نمو الكلام والتفكير والتخيل، وحل الصراعات الداخلية، إضافة إلى القدرة على الترفيه عن النفس والتسلية، ودمج الطلبة الذين يعانون مشكلات اجتماعية وصقل الشخصية".
وتحمل الألعاب أهمية جسمية حيث تنشط الدورة الدموية وتكسب الأطفال مهارات حركية ولياقة بدنية، وتنمي التفكير الإبداعي والتخطيط، وتعلم القدوة والملاحظة والتدريب.
ومن أشهر الألعاب الشعبية الفلسطينية التي كان يمارسها الأطفال: "أوّلك يا اسكندراني"، و"دق الحابي"، ونط الحبل، والطماية أو الغماية، والسبع حجار، والدامة أو الضامة، وأنا النحلة أنـا الدبور، وغيرها الكثير.
تأثير التكنولوجيا
ويبين جرادات أن الألعاب الشعبية تعكس ملامح الحياة الاجتماعية والتراث الثقافي في المجتمع، فهذه الألعاب كانت تمارس في الأحياء الشعبية في المخيمات والقرى والمدن، وتحظى بشعبية كبيرة بين الأطفال.
ويرى أن تلك الألعاب تأثرت بفعل التطور التكنولوجي وما صحبها من ألعاب إلكترونية التي تقتصر علاقتها المحدودة بين الشخص والحاسوب أو الهاتف المحمول، فهي تنمي جانب محدد فقط، ولكنها تفتقر إلى جوانب التفاعل، وتنمي العنف والعدوان في شخصية الطفل، مثل لعبة الحوت الأزرق، ولعبة زينب، وغيرهما.
ويلفت جرادات إلى أن بعض هذه الألعاب تشوه الدين والمعتقد ضمن مراحلها كهدم مسجد وقتل من فيه لتخطي المرحلة والانتقال لأخرى جديدة، كما تؤدي بالطفل إلى العزلة الاجتماعية والتهميش والإقصاء وكبت الرغبات.