ست سنوات أمضاها المواطن المقدسي كايد ادكيدك بين أروقة محاكم الاحتلال الإسرائيلي، لم تكفل له الحصول على أمر قضائي يُبطل قرار هدم منزله الواقع في حارة السعدية في البلدة القديمة بمدينة القدس المحتلة، الذي يؤوي تحت جنباته عائلته المكونة من 6 أفراد.
"المماطلة والرفض" هي السياسة التي تعاملت بها حكومة الاحتلال مع المواطن "ادكيدك" منذ بناء شقته السكنية عام 2017، التي لا تزيد مساحتها عن 70 مترًا مربعًا، في الطابق العلوي لمنزل العائلة الذي يسكنه أكثر من 15 فردًا (أخوة وأبناؤهم).
"منذ اللحظات الأولى لبناء الشقة، أرسلت لي بلدية الاحتلال إخطارًا بالإزالة، ثم توجهت للمحامي لإجراء المعاملات الخاصة بالحصول على ترخيص المنزل"، يتحدث ادكيدك لصحيفة "فلسطين"، عن أولى مراحل المعاناة مع الاحتلال.
ويقول "توجهت لمحامٍ من جمعية القدس، وأحضرت المخططات الهندسية اللازمة للحصول على ترخيص وفق ما طلبت سلطات الاحتلال"، مستدركًا: "لكن لم نحصل على نتيجة إيجابية".
ويوضح أنّ سلطات الاحتلال أرسلت له قبل شهرين إخطارًا بالهدم القسري لمنزله ذاتيًّا، الأمر الذي أثار غضبه ودفعه للتوجه إلى محامٍ لعمل طلب استئناف في محكمة الاحتلال، لكن هذه المرّة الرد كان صادمًا من المحامي "منذ قدوم حكومة الاحتلال المتطرفة التي تضم "إيتمار بن غفير"، لا تنفذ قرارات الاستئناف أو لا يُستجاب لها، إنما يُطبق القرار الإسرائيلي".
حالة من الإحباط واليأس أصابت "ادكيدك" في أعقاب فشل كل محاولاته لوقف هدم شقته السكنية وعدم الحصول على قرار قضائي بذلك طيلة تلك السنوات.
وقبل أسبوعين تلقى "ادكيدك" اتصالًا هاتفيًّا من شرطة الاحتلال في منطقة القشلة القريبة من باب الخليل بالقدس، مفاده "معك فرصة ليوم الأحد الموافق 9/7/2023 لهدم منزلك ذاتيًّا، وإذا لم تفعل ذلك نحن سنهدمه، وستدفع غرامة مالية تصل إلى 150 ألف شيقل".
اقرأ أيضًا: الاحتلال يجبر فلسطينيًّا على هدم منزله بالقدس المحتلة
كان هذا التهديد بمثابة "الشعرة التي قصمت ظهر البعير" إذ لم يجد أمامه أيّ خيارات أخرى سوى الرضوخ لهذا القرار الجائر، خشية إجباره على دفع الغرامة المالية الباهظة، "لا أستطيع دفع هذا المبلغ مُطلقًا، لذلك اضطررت للهدم بنفسي"، يقول ادكيدك والحسرة تعتلي نبرة صوته عبر الهاتف.
مع حلول فجر أمس الأحد، بدأ "ادكيدك" برفقة أبنائه وآخرين من الجيران بهدم الشقة التي بناها بشقّ الأنفس، وحينها لم يجد كلمات يُعبّر فيها عن حجم الوجع والألم الذي يجتاح قلبه، سوى "حسبنا الله ونعم الوكيل في هذا القرار الجائر".
تختنق الكلمات في حنجرته من قسوة الموقف الذي يعيشه في تلك اللحظات فيحكي: "هذا المنزل هو مسقط رأسي وتعلّقت حياتي فيه، وقد توارثناه عن أجدادنا قبل أكثر من 50 سنة"، لكنه يصمت قليلًا ثم يتمالك نفسه فيقول "لن أخرج من المنزل مهما كلفني الثمن، فهذه هي ضريبة صمودنا في مدينة القدس".
ويستهجن ادكيدك ذريعة الاحتلال بهدم البيت وهي "عدم الترخيص"، مشيرًا إلى أنه يرفض منح المقدسيين التراخيص ثم يلجأ لهدم المنازل تحت هذه المبررات.
وما يؤرق المقدسي ادكيدك ويزيد من الوجع لديه أنه أصبح الآن "بلا مأوى" ولا يقدر على استئجار بيت آخر نظرًا لارتفاع ثمن الإيجار في مدينة القدس، عدا عن الضرائب الباهظة التي تفرضها سلطات الاحتلال على المقدسيين، ولا سيّما أنه "عاطل عن العمل" في الوقت الحالي.
اقرأ أيضًا: "عائلة خضر".. عاشت مصاب هدم منزلها مرتين في غضون أشهر
وشدد على أنّ "الاحتلال يسعى بهذه الممارسات إلى تهجير المقدسيين من منازلهم قسرًا وإحلال المستوطنين بدلًا منهم"، واصفًا حكومة الاحتلال المتطرفة الحالية بالفاشية.
وختم حديثه: "سنبقى في بيوتنا ولن نخرج منها ولن نحقق للاحتلال ما يطمح إليه، فبيتي وبيوت المقدسيين ليست أغلى من المسجد الأقصى ودماء الشهداء والأراضي التي تُصادَر كل يوم في مختلف مدن الضفة والقدس".