تحدث ضابط الشاباك في إحدى جلسات التحقيق معي في أثناء الاعتقال عام ٢٠١٥، عن جهود جهاز المخابرات المعروف بجهاز الأمن العام الإسرائيلي "الشاباك" في تفكيك كل لغز، ومتابعة كل تحرك للفلسطينيين، وكذلك جهاز الموساد، وهو المخابرات الخارجية، وأنه يعلم كل صغيرة وكبيرة في العالم.
أسهب الضابط واسمه "ماركو" في مكتبه بمركز تحقيق الجلمة يومها في حديثه وتبجحه بقوة "الشاباك"، وهو يحتسي القهوة، وأنا أمامه مكبل اليدين والقدمين على كرسي صغير؛ كي ينظر باستعلائه لحالتي ويضغطني.
قام عن كرسيه وتوجه نحو لوح على الحائط، وكتب رقم (١٧)، وعرّف عنه أنه عدد الأقمار الصناعية التي تملكها (إسرائيل)، وكتب رقمًا تجاوز ٣٠ ألفًا، وقال لي: إنه عدد عملاء الميدان، وكذا ظل يشرح لي ليوصل رسالة أن يد الشاباك طويلة.
هناك قلت له مباشرة: "إن كانت هذه الإحصائية إنجازات لكم، ترى يا ماركو ما الذي تمتلكه المقاومة في غزة حينما أخفت جلعاد شاليط، الأسير السابق لدى كتائب القسام مدة خمسة أعوام، وهي لا تملك مما ذكرت شيئا؟".
اقرأ أيضًا: ثمة إجماع إعلامي عبري على فشل العدوان
اقرأ أيضًا: القسام تتحدى الحكومة الصهيونية المتطرفة
"ترى يا ماركو حينما دفعتم ثمن فشل تلك المعدات والتقنيات وعملاء الميدان وغلمانكم في المنطقة كلها ممن جندوا كل إمكانياتهم لإعادة شاليط لكم، ما فائدة ما تشرحه لي الآن؟"، بدأ يصرخ في وجهي ويقول غباء ساستنا، وعدم استجابتهم لنا، وبات يلوم المستوى السياسي لعدم إعطائهم الفرصة ١٢ في محاولة معرفة هل شاليط حي أم ميت.
وحينما كان حديثه هذا في خضم انتفاضة القدس نوفمبر ٢٠١٥ أضفت له، وقلت "كيف ستستخدم ما تتفاخر به من قوة الشاباك في منع سكين أو دعسة بنزين أو شاب قرر وفعل؟"، فصمت.
يحاول جهاز الشاباك أن يحقق إنجازات ولو وهمية لرفع المعنوية لدى الشارع الإسرائيلي، وهذا تجلى في محاولات عديدة مؤخرًا منها:
* فشل وحدة "سيرت متكال" في غزة في اختراق شبكة الاتصالات، وإعادة الجنود الأسرى، بل تكبدت خسائر بشرية ومادية ومعنوية.
* ترهل المعلومة الأمنية في وقف الاستنزاف الذي تركز، بعد سيف القدس ٢٠٢١ إلى هذا اليوم.
* رغم القبضة الأمنية الكبيرة، والرعاية الأمريكية لها في الضفة الغربية، إلا أن جهاز الشاباك صُفع عدة مرات، أبرزها: عند تفجير حافلة ٢٠١٢ في (تل أبيب) من قبل خلية يقودها الأسير أحمد موسى من رام الله، مروراً بأسر الجنود الثلاثة في الخليل على يد خلية يقودها الأسير حسام القواسمة، أعضاؤها الشهيدان مروان القواسمة، وعامر أبو عيشة، مرورًا بعملية عين بوبين لخلية تزعمها الأسرى وليد حناتشة، وسامر عربيد، وصولًا إلى كتيبة جنين، وعرين الأسود، وما فشلت فيه أذرع الشاباك من إعادة استقرار الأمن والهدوء.
* تطور المقاومة في الضفة الغربية للوصول إلى عبوات ناسفة، ومحاولات صنع صواريخ.
* استمرار أسر الجنود في غزة لدى المقاومة، وإبقاء مطار "بن غوريون" تحت الصواريخ.
كل هذه المؤشرات تشي بأن يد الشاباك باتت قصيرة جدًّا، أو تكاد أن تشلها منظومة المقاومة، حتى أن الشارع الإسرائيلي بات يتساءل ويطرح السؤال المهم، وهو ما الحل؟!
وحين يكون هكذا سؤال، فهذا يعني أن هناك أزمة أمنية، وطالما أن هناك أزمة أمنية، فهذا يعني أن الجهات المسؤولة عن الأمن فاشلة ومقصرة، والتباهي ببعض الإنجازات المصطنعة أو المجتزأة لم يعد يسعف المشهد لديهم.
في المحصلة بات الأمن للمستوطنين شبه معدوم، والردع للجيش تلاشى جدًّا، وبقي جهاز الشاباك يحاول أن يصور لكل الأطراف أن يده طويلة، بينما الواقع الفعلي لما وصلت له غزة من إعداد وتجهيز ومقدرات ودقة أمنية، وما تطور في الضفة الغربية مؤخرًا، وما في مجمله بات يعرف بوحدة الساحات، كله إشارة واضحة على أن يد الشاباك قصيرة وشبه مشلولة، وهذا ينعكس على الميدان السياسي والجغرافي، ويجعل المرحلة المقبلة تحمل في طياتها تحديات جديدة، لم ينجح ١٧ قمرًا صناعيًّا ولا تنسيق أمني، ولا عملاء في الميدان، ولا تكنولوجيا أن تعطيها صفة "يد طويلة".