منذ اليوم الأول لاعتقاله قبل 22 عامًا وحتى هذا اليوم يعيش منصور موقدة حياة مليئة بالألم، وتعد قصته مثالًا حقيقيًا على الإهمال الطبي الذي يعاني منه العديد من الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي.
منصور (56 عامًا) من بلدة الزاوية قضاء سلفيت، اعتقل في الأول من يوليو/ تموز لعام 2002، وصدر بحقه حكمًا بالسجن المؤبد مدى الحياة، وهو متزوج وأب لأربعة أبناء.
بدأت حياة الاعتقال للأسير المقعد بمرحلة الشباب عندما سجن لمدة ثلاث سنوات، ذاق خلالها أشكالًا وألوانًا من العذاب في أقبية السجن، كما يخبر شقيقه نمر، مشيرًا إلى أن منصور "كان قوي القلب، جريئًا في مقارعة للاحتلال، لا يقبل الذل والهوان، رفض التنحي عن الطريق الذي سلكه بعد الإفراج عنه حتى بات مطاردًا لدى الجيش الإسرائيلي".
ويقول لصحيفة "فلسطين": "مع بداية الانتفاضة الثانية عاش منصور حياة المطاردة، وبات ينتقل من قرية إلى أخرى ومن مدينة للثانية، حرم من العيش بسلام وأمان، إلى أن تمكن جنود الاحتلال من محاصرته والاشتباك سويًا وإصابته".
قصة تتجاوز حدود الألم
قبيل اعتقاله عام 2002 خاض منصور اشتباكًا مع قوات جيش الاحتلال أصيب على إثره بعدة رصاصات استقرت اثنتين منها في ظهره وثلاثة في بطنه ومنطقة الحوض، وتسببت في شلل الأطراف السفلية من جسمه، وتضاعفت معاناته مع تهتك الجهاز الهضمي (المعدة والأمعاء والمثانة)، ومنذ ذلك الحين، يُعاني من أوجاع حادة تنتشر في كل جزء من جسده.
ويبين نمر أن شقيقه يعاني أيضًا من مشاكل في العينين والأسنان، ويتناول أكثر من 12 نوعًا من الأدوية المسكنة لأجل تخفيف من آلامه ومعاناته.
ويضيف: "أجريت لمنصور عدة عمليات تم خلالها زراعة معدة بلاستيكية، ويقضي حاجته بوساطة أكياس طبية للبول والبراز، ووزنه لا يتعدى 48 كيلوجرامًا".
وفي تقرير لهيئة الأسرى والمحررين تشير فيه إلى أن الأسير موقدة هو أحد الحالات المرضية الخطيرة القابعة داخل سجون الاحتلال، وتزداد حالته الصحية سوءًا يومًا بعد الآخر بسبب سياسة الإهمال الطبي الذي يتعرض لها.
ويؤكد نمر مماطلة الاحتلال في علاجه وعمل الفحوصات الدورية فأوضاعه الصحية تستدعي متابعة حثيثة، وقصته تتجاوز حدود الألم الجسدي، "إنها قصة أسير يعاني من الإهمال الطبي ويعيش في ظروف صحية مأساوية، ومع ذلك يواصل الصمود والنضال من أجل حقوقه الإنسانية الأساسية".
منع الزيارات
ويبين نمر بأن أول زيارة سمح الاحتلال له فيها برؤية شقيقه منصور كانت بعد 5 سنوات من الاعتقال حاجته الشديدة لدعم عائلته قبل تلك المدة الطويلة من المنع الأمني، "أخبرني حينها أنه مكث في غيبوبة لا يعرف مدتها، وجسده ممتلئ بالجروح والضمادات، وبمجرد أن فتح عينيه وجد الأطباء يقفوا فوق رأسه وأخبروه أن ضابط الشباك ينتظره على الباب، ومن الأفضل التعاون معه".
ويكمل: "أثناء التحقيق كان الضابط يجلس إلى جانب منصور وينكأ جروحه المخيطة بأظفاره، حتى الإبرة يخزونها بجسده بطريقة عنيفة. ذاق أخي ألوانًا من العذاب لأجل أن يحصلوا على اعترافات منه".
ويلفت إلى أن الأسرى الذين كانوا يأتوا لمستشفى سجن الرملة لأجل إجراء عملية مرارة أو زائدة تهون عليهم حالتهم الصحية لمجرد رؤيتهم وضع منصور فيعكفون على مساعدته وتلبية احتياجاته، "ورغم ما أصابه ظل محافظًا على شخصيته الفكاهية وابتسامته التي لا تغيب عن محياه. ولو أنه منصور مش جبل كان من زمان انتهى".
في حال سمح للعائلة بزيارة منصور كل عامين أو ثلاثة يطغى على وقت الزيارة مشاعر الألم والحزن للوضع الصحي الذي يعيشه مع تضاعف قوته وتقدمه بالعمر وعدم قدرة عائلته على رعايته.
ويضيف نمر: "كنا نحاول وأشقائي إخفاء وضعه عن والدتنا حتى أصرت على زيارته لتعود منها بوضع نفسي صعب وعدم تقبل لحالته، وأصيبت بعدها بمرض الزهايمر وباتت تنادي على كل أبنائها وأحفادها باسم منصور".
ويعد الإهمال الطبي إحدى سياسات سلطات الاحتلال لتعذيب الأسرى، إذ أفضت سياسة "القتل البطيء" إلى استشهاد 74 أسيرًا منذ العام 1967، وفق معطيات نشرها نادي الأسير الفلسطيني.
وتفيد المعطيات بوجود نحو 600 أسير مريض في سجون الاحتلال ممن تم تشخيصهم على مدار السنوات الماضية يواجهون أوضاعًا صحية صعبة، بينهم نحو 200 يعانون أمراضًا مزمنة؛ بينهم 23 أسيرًا مصابون بالأورام والسرطان بدرجات مختلفة.