قائمة الموقع

"الزهور المحاصرة بغزة" .. صراع البقاء أمام "سحر" المستورد

2017-09-28T06:21:37+03:00

تتدلى بجمالها الأخاذ وألوانها الحمراء والبنفسجية والبيضاء والزرقاء الساحرة، تفترش وتزين الأرض لتعكس جمالها على السماء بسحر ألوان "قوس قزح"، وأخرى تفترش ما تبقى من الأرض المخصصة لزراعة الزهور في قطاع غزة، هي مزيج من الزهور المستوردة والمحلية تزين مشتل "البراوي" في منطقة بيت لاهيا شمال قطاع غزة.

التقينا "عبد الهادي البراوي" (32 عامًا) الذي يدير المشتل المخصص لاستيراد الزهور من الخارج وتصديرها إلى السوق المحلية، لأغراض الزينة أو لزراعة بعض الأنواع، التي تتحمل مياه القطاع المالحة في المساحات المخصصة لزراعة الزهور في القطاع.

على مساحة صغيرة بدأ مشروعهم عام 2004م بعد تراجع زراعة الورد بغزة، ثم تطور ليصبح من أكبر مشاتل الزهور في القطاع.

" قصف الاحتلال المشتل خلال العدوان الإسرائيلي على القطاع عام 2008م بصاروخين من طائرة (إف 16)" يتحدث البراوي لصحيفة "فلسطين" عن أن أهم محطة فارقة واجهت مشروعهم، ثم يتابع: "بعد أن دمر الاحتلال 80% من الزهور التي كان موجودة بدأنا العمل من نقطة الصفر، ونهضنا من جديد".

ويلبي هذا المشتل (والكلام للبراوي) طلبات الزبائن جميعًا إذ تتوافر فيه كل أنواع الزهور من أوروبا وشرق أسيا، وبعض الزهور التي لا تحتاج إلى أشعة شمس بل تحتاج فقط إلى كوب مياه كل 15 يومًا، وهذه الأنواع مخصصة للبيوت.

ما الآلية التي تتبعونها في الاستيراد في ظل إغلاق المعابر؟، يرد قائلًا: "كان والدي يعمل بقطاع الزهور منذ طفولته، وبعد ذلك عمل في أراضي الـ(48) في هذا المجال بمشتل مشابه تمامًا لمشتلنا هذا"، ولكن بعد إغلاق المعابر حصل البراوي على تصريح تجاري يسمح له بالتجارة لدى كيان الاحتلال الإسرائيلي.

ويضم هذا المشتل أصنافًا مختلفة من الزهور، منها الكرسيا، وتوتو سبورو، ولونضة، والجوري، ومتروسدروس، ونخل الزينة (شنطونيا)، وغيرها من الأصناف.

"الزهرة المزروعة في القطاع ترتفع تكلفتها نتيجة ارتفاع سعر الأسمدة، وملوحة المياه التي تؤدي إلى خسارة كميات من الزهور المزروعة، وطول مدة زراعتها التي تصل إلى ستة أشهر حتى يبدأ القطف، أما المستورد فيختصر الوقت والجهد" يقارن البراوي بين المحلي والمستورد.

واقع الزهور

وكحال كل المجالات طال الحصار قطاع الزهور بغزة، فبعد أن كانت تصدر غزة 70 مليون زهرة سنويًّا أصبحت تستورد نحو 160 ألف عود سنويًّا، إذ تراجعت المساحة المزروعة من 850 دونم بحدودها القصوى إلى 37 دونمًا فقط _وهي المساحة المزروعة حاليًّا_ تواجه خطر الانقراض، نتيجة ارتفاع تكلفة الإنتاج مقارنة بالزهور المستوردة، ونتيجة الأوضاع الاقتصادية الصعبة وإغلاق المعابر.

العامل الأساسي في هذا الصراع القائم بين المحلي والمستورد هو مدى إقبال السوق المحلية المتمثلة بالمؤسسات والمنتجعات السياحية والفنادق والمطاعم في القطاع على اشتراء الزهور المحلية بأنواعها المختلفة، أو المستوردة من الخارج بألوانها الزاهية والغريبة.

ومن شمال القطاع إلى جنوبه حيث التقى مراسل صحيفة "فلسطين" المزارع محمد حجازي الذي يملك عشر دونمات مزروعة بالزهور، وهي أكبر مساحة مزروعة يملكها شخص واحد في القطاع حاليًّا، بألوانها الزاهية وأنواعها المختلفة تفترش الزهور عشر دونمات يملكها حجازي، وهي: القرنفل، والجوري، ولونضة، وعادعاد، وبرلانتوس، وليليوم، والشيشان، وورد قربرة , وورد خرسيوت, وورد لمنيوم, وورد أبصال, وورد خضار.

يتحدث عن واقع زراعة الورود بالقول: "إن الوضع الاقتصادي السيئ الذي يعيش فيه أهالي القطاع أثر على زراعة الورود، خاصة أن الورود من الكماليات لا الأساسيات، الأمر الذي جعل الإقبال عليها ضعيفًا".

في غزة يبدأ موسم زراعة الزهور (والكلام لحجازي) في شهر حزيران (يونيو)، وفي منتصف شهر تشرين الثاني (نوفمبر) من كل عام يبدأ موسم القطف، ويستمر حتى أيار (مايو) من العام التالي.

ولا يخفي أن كمية الورود التي لم تشهد طلبًا تلقى في حاويات القمامة أو تطعم للأبقار، بعد انتهاء مدة وضعها بثلاجات التخزين.

التصدير

لكن في السابق كانت زهرة القرنفل هي الأساسية في التصدير نتيجة قدرتها على التحمل، وكانت تذهب إلى السوق العالمية بهولندا، في موسم الزراعة المحلية نفسه، ويحمل المنتج المصدر اسم كل مزارع فلسطيني، ومع أن المنتج الفلسطيني كان يتذيل ترتيب الدول بالبورصة، لكنه صمد وحصل على المرتبة الثانية في الجودة، حسب تأكيد المزارع الغزي.

لم ينته حجازي من حديثه عن آلية التصدير، ففي السابق كان طن التصدير يكلف المزارع نحو 400 دولار، لكن ارتفعت تكلفته عام 2005م لتبلغ قيمة تصدير الطن الواحد 1600 دولار، علمًا أن الطن يحتوي على نحو 32 ألف وردة حسب نوعية الورد وصنفه.

ومع تزامن ارتفاع تكلفة التصدير بدأت تتراجع زراعة الزهور، نتيجة إغلاق المعابر، الذي حرم مزارعي القطاع الحضور اليومي للبورصة اليومية، ما جعل التجار الهولنديين لا يعتمدون على زراعة القطاع، نتيجة انقطاع المزارعين المستمر عن البورصة.

بنبرة صوت بدا عليها الفخر يستعيد إنجازات الماضي: "إن غزة حصلت على المركز الثاني بعد هولندا في منتجات الزهور من حيث الجودة، ما بين عامي 1997م و2005م، وتقدمت على دول كتركيا وكيان الاحتلال الإسرائيلي".

وبعد ذلك (وما زال الحديث لحجازي) كان الاحتلال يسمح للمزارعين بالخروج يومًا واحدًا في الأسبوع، نتيجة صعوبة التنسيق مع الإسرائيليين، وذلك حتى عام 2008م.

ومع دعم زراعة الزهور في غزة (تبعًا لحديث المزارع الغزي) بما يعرف بـ"المشروع الهولندي" لمواجهة التراجع الحاصل في التصدير معظم المزارعين لجؤوا إلى زراعة الخضار بدل الورود عام 2010-2011م، نتيجة إغلاق المعابر والخسائر التي تكبدوها نتيجة ذلك، ومعه انتهت عملية التصدير، إذ كانت تبلغ تكلفة زراعة دونم القرنفل الواحد 9 آلاف دولار، وهو ما لم تكن تغطيه المشاريع الداعمة.

ما حجم الإنتاج الحالي من الزهور المحلية؟، يجيب المزارع الغزي عن سؤالنا من واقع تجربته، مبينًا أن الدونم الواحد من زهرة القرنفل ينتج في الموسم الزراعي الواحد 80-100 ألف عود، وتقوم آلية زراعتها على تربيتها مدة ستة أشهر، ثم تستمر بالإنتاج المتواصل مدة ستة أشهر أخرى، وتقوم آلية قطفها على أن يكون يومًا بعد آخر.

أما عملية تربية زهرة "اللونضة" فتستمر أربعة أشهر فتتفتح مرة واحدة وتقطف دفعة واحدة، في حين ينتج دونم الجوري الواحد 30-40 ألف زهرة.

ويقارن حجازي بين عدد العمال في الوقت الحالي وعددهم في الماضي، ففي السابق كانت المساحات المزروعة تبلغ 850 دونم - ألف دونم، يشغل الدونم الواحد عاملين، بواقع 2000 عامل على المساحات المزروعة كافة، أما اليوم فيحتاج الدونم لعامل واحد، يعمل 6-8 ساعات يوميًّا وتبلغ أجرته اليومية 40 شيكلًا.

معطيات وحقائق

وبحسب معطيات رسمية فلسطينية حصلت عليها صحيفة "فلسطين" من وزارة الزراعة بغزة: إن زراعة الزهور بدأت عام 1991م بزراعة 50 دونمًا على مستوى القطاع أنتجت 9 ملايين زهرة، واستمر التطور ونموها حتى عامي (96و97) من القرن الماضي، بعد أن وصلت المساحة المزروعة إلى 850 دونمًا، بلغ متوسط إنتاجها السنوي 75 مليون زهرة.

ومع بداية عام 2000م الذي حدثت خلاله الانتفاضة الفلسطينية الثانية (انتفاضة الأقصى) بدأ إنتاج الزهور يتراجع، فبلغ في العام نفسه 62 مليون زهرة، وبدأ يتدهور أكثر حتى وصل إنتاج الزهور عام 2006م إلى 25 مليونًا، وفي عام 2007م بلغ 40 مليونًا.

واستمر التدهور وتراجع زراعة الزهور، بحسب المعطيات التي حصلنا عليها، فبلغ متوسط إنتاج الزهور في عامي (2008م و2009م) مليوني زهرة للتصدير فقط، وتوقف التصدير نهائيًّا وتقلصت المساحات المزروعة عام 2014م، ولا تتجاوز تلك المساحة حاليًّا 37 دونمًا على مستوى محافظات القطاع.

ويتحدث المدير العام للإدارة العام للإشارة والتنمية الريفية بوزارة الزراعة بغزة نزار الوحيدي عن الأسباب التي أدت إلى تدهور زراعة الزهور، وأهمها إغلاق الاحتلال الإسرائيلي المعابر، وتوقف الدعم الخارجي لزراعة الزهور التي كانت تصدر لدولة هولندا، وارتفاع تكاليف زراعتها.

ويكشف الوحيدي لصحيفة "فلسطين" أن قطاع غزة استورد 160 ألف عود من الخارج في عامي 2015م-2016م، لافتًا إلى وجود ثلاجتين فقط في القطاع بإمكان تخزين نحو 3 آلاف عود فيهما مدة شهر واحد في درجة حرارة 2-4 مئوية.

ويزرع القطاع (حسب إفادة الوحيدي) زهرة الجوري بألوان متعددة، إضافة إلى زهور: خارسيوت، وروسكوس، وقرنفل، ولونضة، ولمنيوم، وماجنيت، و"إستر مستورد"، وكالا، وناريوت، وزيكيياتوس، وعادعاد، وليليوم، وشيشان، وسليداكو.

اخبار ذات صلة