الحروب الثلاثة التي شنها الاحتلال على غزة، والتصعيدات المتتالية على مدار عقدين من الزمن، أحدثت تغيرات كبيرة على الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، بل أحدثت تغييرًا في نظرية الأمن الصهيوني التي بناها على مدار عشرات السنوات، إلا أن الوضوح في تهشيمها كان مع معركة العصف المأكول التي اندلعت في 7/7/2014، وأرسلت قواعد جديدة للصراع مع الاحتلال، تقوم على فكرة أن هزيمة الجندي الصهيوني واردة جدًا، بل يمكن تحقيقها.
الأهم في معركة العصف المأكول أنها أسست لانطلاق انتفاضة القدس في عام 2015، وأوجدت بيئة قادرة على انطلاق انتفاضة ضد الاحتلال، وهي التي ساهمت في تهشيم الأمن الشخصي عبر العمليات الفردية أو ما يطلق عليها الاحتلال "الذئاب المنفردة"، ولا زالت مستمرة حتى اليوم وإن كانت تأخذ أشكالًا مختلفة.
مما يحسب لمعركة العصف المأكول، أنها كشفت جليًا ضعف القدرات القتالية للجندي الإسرائيلي في الميدان، ما حوله لفريسة سهلة للمقاتلين الفلسطينيين على حدود غزة، وتحويلهم ما بين قتيل وجريح وأسير، بالرغم من ما وفره الاحتلال من إمكانيات وآليات وطائرات، وارتكب عشرات المجازر لحماية جنوده في الميدان.
منذ عام 2014، وحتى اللحظة لا يزال جيش الاحتلال عاجزًا عن الوصول لجنوده الذين اختطفوا في أثناء المعركة، ويخشى دفع الثمن مقابل الإفراج عنهم، وأن المقاومة متمسكة بشروطها بالإفراج عن الأسرى من سجون الاحتلال مقابل الكشف عن مصيرهم.
اقرأ أيضًا: القسام تتحدى الحكومة الصهيونية المتطرفة
اقرأ أيضًا: جنين تتصدر المقاومة
أفقدت معركة العصف المأكول، الجندي الإسرائيلي القدرة على القتال، وهو ما اعترف به الاحتلال لاحقًا، ولا زالت أثاره باقية حتى اليوم، ويخشى الدخول في مواجهة عسكرية، ووصفت لجان التحقيق التي أجريت بعد معركة العصف المأكول، أو الخلل الذي أصيبت به المنظومة الأمنية الإسرائيلية يقوم على غياب الدعم النفسي والاجتماعي في تدريب الجندي الإسرائيلي للقتال، وأن تآكل القدرة لدى الجندي بسبب ما يعده تقصيرًا من قيادة الجيش في حمايتهم، أو دعمهم، أو تقديم العون لهم لم يعد موجودًا، كذلك بقاء الجنود أسرى في يد المقاومة، إضافة إلى ما شاهدوه في الميدان من قوة وصلابة للمقاتل الفلسطيني وامتلاكه قدرات قتالية متفوقة عليه، عوضًا عن الروح القتالية العالية.
العصف المأكول أرسلت لمعركة سيف القدس، لتكون معركة تبادر بها المقاومة في وجه الاحتلال، للدفاع عن الأقصى والمقدسات، وأرسلت للحالة الثورية التي تمر بها الضفة الغربية، مستندة لما تقدمه من عمل مقاوم تحتضنه الجماهير الفلسطينية، ويستند لركن غزة الشديد في وجه الاحتلال، وصولًا لتهشيم صورة الجندي الصهيوني، وتهشيم نظرية الأمن التي بناها الاحتلال على مدار سنوات.