حملت الساعات الأخيرة تطورات مهمة على صعيد تبني كتائب القسام عمليةَ كدوميم ببيان رسمي، ومن ثم إعلان الناطق الرسمي للكتائب (أبو عبيدة) عبر تغريدة له عن مسؤولية القسام عن عمليات أخرى نفذتها الكتائب في الأيام الأخيرة، جاءت ردا مباشرا وسريعا على العدوان الإسرائيلي على جنين، والمسجد الأقصى، وبقية مناطق الضفة الغربية. هذا التطور اللافت هو أكبر تحدٍّ لحكومة الاحتلال، وهو إشارة واضحة إلى أن المقاومة انتقلت لمرحلة مختلفة من العمل في الضفة الغربية، وأصبحت جاهزة لإشعال كل ساحات الوطن في وجه العدو ردًا على عدوانه المتصاعد.
وكان المفترض أن يأخذ العدو على محمل الجد تهديدات المقاومة، وفي المقدمة منها كتائب القسام، التي توعدت الاحتلال بسيل جارف من العمليات، وبضربات قوية ضد جنوده ومستوطنيه، ودعت مقاتليها لتنفيذ عمليات في كل مكان، وأعطت مقاتليها مساحة كافية للرد حين أكدت أن جميع الخيارات مفتوحة أمام المقاتلين، لكن العدو (أخطأ التقدير)، وكان يعتقد أنه قادر على منع وقوع العمليات ومواجهة التحديات الأمنية التي فرضتها المقاومة، وذلك بتكثيف الاعتقالات والاقتحامات للمدن والقرى، وتفعيل الحواجز، فضلًا عن اغتيال بعض الكوادر، فجاء رد المقاومة بعدد من العمليات الفدائية النوعية التي أربكت حساباته، وجعلته يضع رأسه في الرمال وهو يتجرع الهزائم.
إن السبيل الوحيد لهذا المحتل المجرم هو وقف عدوانه فورًا، والانسحاب من الأراضي الفلسطينية انسحابًا كاملًا ونهائيًا، وإلا فإن الحلول (السياسية، أو الأمنية، أو العسكرية) ستكون وهمًا لن يجلب له الأمن، ولن يحقق له السيادة، وسيجعله ينزف على مدار الوقت بفعل ضربات المقاومة التي لن تتوقف تحت أي ظرف، ولا أظن أن الاحتلال يمكن أن يوقف عدوانه وينهي احتلاله، إلا بتصعيد المقاومة وبتوسعة رقعة الاستهداف في كل ساحات الوطن، حتى يدرك أن هذه الأرض ستكون جحيما ولهيبا مشتعلا في وجه جنوده ومستوطنيه، ولن تكون يوما أرض سلام واستقرار لكيانه الاحتلالي الإحلالي الدموي.
اقرأ أيضًا: الإسرائيليون "يستلّون" سكاكينهم على بعضهم عقب الفشل في جنين
اقرأ أيضًا: القفل المكسور
اليوم المعادلة تغيرت، وانتهى الوقت الذي يرتكب فيه العدو المجرم جريمته دون أن ينال العقاب، فالشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة بفضل من الله سبحانه أصبحوا قادرين على الوصول لكل أهداف العدو، بل أصبحوا قادرين على الرد في وقت قياسي، وأكثر من ذلك القدرة على تجاوز أي معيقات أمنية يفرضها الاحتلال في العمق، فضلًا عن تطوير الأسلحة والأدوات، وأضف إلى ذلك فإن الساحة الفلسطينية وفي المقدمة منها الضفة الغربية تشهد حالة تجنيد غير عادي، الأمر الذي عزز صفوف المقاومة في كل المناطق، ومكنها من تحدي ومواجهة الاحتلال.
وكانت جنين إحدى صور هذا التحدي، حيث سجلت جنين (نصرًا أسطوريًا) في مواجهة جيش الاحتلال الذي سخر كل الإمكانات في محاولة القضاء على المقاومة في جنين، مستخدمًا في ذلك المركبات المصفحة، وطائرات الاستطلاع والطائرات الانتحارية، وطائرات الأباتشي، وغيرها من الطائرات الحربية، وما يزيد على ألف جندي من وحدات النخبة، إلا أن المقاومة أوقعت خسائر مباشرة في صفوف نخبته بين قتيل وجريح، وأعطبت عددًا من مركباته، وأكثر من ذلك أن المقاومة حاولت مرارًا اختطاف جنوده الجرحى، الأمر الذي دفع العدو للفرار والهروب دون أن يحقق أهدافه الإستراتيجية التي سعى لتحقيقها.
إن تداعيات إعلان القسام وتبنيها العمليات لن تكون عادية، والكتائب يبدو أنها معنية فعلًا بتصعيد العمليات في المرحلة القريبة، وعلى العدو أن يستعد جيدًا لضربات غير مسبوقة؛ لأن مراهنته على القضاء على المقاومة في الضفة باءت وستبوء بالفشل دومًا، ولن تفلح أي طريقة في كبح جماح المقاومة، فمن يرتكب الجرائم ويهدد شعبنا عليه أن يدفع الثمن، وعلى كل الأطراف المعنية بالاحتلال أن تنصحه بوضع (خططه القريبة) لمغادرة أرض فلسطين نهائيًا، وإلا فإن مصير هؤلاء الموت على أرض فلسطين، ولن تفيدهم لا القوة العسكرية، ولا التنسيق الأمني، ولا التحالف مع بعض الأنظمة المطبعة، والتجربة ماثلة أمامهم وتقول بلسان حالها: الفلسطيني لا يستسلم أبدًا، وهدفه الوحيد تحرير أرضه من الاحتلال بشتى الطرق، وفي مقدمتها المقاومة العسكرية.