15 عامًا هي مجموع سنوات الاعتقال التي قضاها عبد الجبار جرار حتى اللحظة في سجون الاحتلال الإسرائيلي، لم تسرق تلك السنوات اللحظات الجميلة برفقة عائلته، بل عمره وصحته التي نهشها الإهمال الطبي، وألحق بها أضرارًا لا يمكن تصورها.
أوجاع شديدة يعانيها جرار يوميًّا، لم تشفع له أمام ذلك السجان للحصول على متابعة طبية أو علاج، لتعيش عائلة في حالة قلق دائم على وضعه الصحي، خاصة في اعتقاله الأخير منتصف شهر فبراير عام 2022، قضى 16 شهرًا إداريًّا، ومدد له الاحتلال 4 أشهر أخرى، وفق زوجته وفاء.
وجرار (57 عامًا) من مواليد قرية الجديدة التابعة لمحافظة جنين، ولديه أربعة أبناء، حاصل على شهادة البكالوريوس في الشريعة الإسلامية من جامعة الخليل، ويعمل مدرسًا في مدارس جنين الحكومية، ويعد من رجال الإصلاح في جنين.
تقول زوجته وفاء: "الشيخ عبد الجبار ليس صغيرًا في العمر، بل تجاوز منتصف الخمسين، وهذه المرحلة تحتاج إلى رعاية وعناية خاصة، لأنه يعاني مرض ارتفاع ضغط الدم والسكر، وآلام بسبب غضاريف في الرقبة والظهر، جميعها ظهرت بفعل اعتقالات سابقة نتيجة التحقيق المستمر والتعذيب، وبالإضافة إلى ذلك فإنه يعاني مشكلة خلقية في أحد صمامات القلب، إذ أنه أصغر من حجمه الطبيعي".
وزاد وضع جرار سوءًا بعد أربعة أشهر من اعتقاله الأخير، فأصيب بالتهاب في وتر رجله اليسرى تسبب في تجمع السوائل بها، وبات يعاني آلامًا شديدة لم تمكنه من الوقوف أو السير، إلا باستخدام عكاز.
تضيف جرار: "تلك الآلام والأوجاع سرقت النوم من عينه، ولم تشفع له بعرضه على طبيب مختص، إلا بعد أربعة أشهر أخرى، فحُول إلى مستشفى سجن الرملة، والذي يعد مقبرة للأحياء، حيث صوِّر صورة طبقية لرجله، ولم يعطِ الطبيب أي تقرير طبي إلا بعد 4 أشهر، ليتبين أنه يعاني التهابًا حادًّا في ركبته، وقد تقرر إعطاؤه إبرة فيها".
وبعد أشهر معدودة حُوِّل جرار إلى المستشفى لأجل الحصول على الإبرة، هناك أخبره الطبيب أنها لن تجدي معه نفعًا، ومفصل الركبة بحاجة إلى تغيير، "كل ذلك سببه الإهمال الطبي المتعمد أدى إلى تآكل في العظم".
وكانت هذه الانتكاسة قد تسببت له بارتفاع شديد في ضغط الدم والسكري؛ بسبب ألم يعانيه دون الحصول على علاج ملائم، ونقل في إثرها إلى عيادة السجن، وتم التعامل مع حالته الصحية وتغيير دواء الضغط الخاص به بمعيار أعلى من السابق.
وتستكمل وفاء حديثها: "لا أخفي عليك حالة التوتر والقلق الدائم التي نعيشها كعائلة أسير، خاصة مع تدهور وضعه الصحي، ونحمل ما آلت إليه حالته الصحية للمؤسسات الحقوقية والصليب الأحمر والسلطة الفلسطينية".
وتقول: إنها تعيش وأبناؤها في حالة نفسية صعبة جدًّا، خاصة أن جميع أفراد العائلة ممنوعون من الزيارة تحت ذريعة الرفض الأمني، خاصة في آخر اعتقالين لعبد الجبار، وبعد 83 يومًا من الحرية من اعتقال إداري سابق استمر عامًا، جاء الاعتقال الأخير من منزله.
وكانت بداية معاناة عبد الجبار في عام 1983، حين تم استُدعي للتحقيق، واعتُقل أول مرة عام 1990، لتتوالى الاعتقالات لما يقارب 33 مرة، بما مجموعه 15 عامًا.
وتلفت إلى غياب زوجها عن أبرز محطات حياة أبنائه، والمناسبات العائلية الأخرى، وتتذكر بداية ارتباطها به قبل 32 عامًا، عندما أعطاها فرصة الاختيار بأن تكون عونًا له في طريق الجهاد وبين أن تجد طريقها، "فوافقت على مشاركته ذلك الدرب النضالي الطويل".
وتشير إلى أنه غاب عن أسعد لحظات حياتها، تمنت لو كان بجوارها في أثناء ولادتها لأبنائها، وتخرجهم من الثانوية العامة والجامعة، حتى في يوم زفاف ابنها البكر "حذيفة"، قرر الاحتلال تنغيص فرحتهم باعتقاله قبل الفرح بأيام، وأفرج عنه بعد أيام، قررت استكمال مراسم الفرح كتحدٍّ للاحتلال بأنه لا يستطيع أن يسرق فرحتهم.
وتمضي إلى القول: "كزوجات أسرى وأمهات شهداء وكنساء فلسطينيات ليس أمامنا ونحن نعيش في دولة محتلة، إلا أن نكون على طريق الجهاد والرباط".
واستطاعت وفاء أن تكون الأم والأب والسند والعضد لأبنائها، وترى أن الأمر ليس سهلًا، بل يحتاج إلى قوة تستمد في الله ومن عقيدة الشخص.
ويعكس ما يعيشه الأسير جرار واقع العديد من الأسرى الفلسطينيين الذين يتعرضون للإهمال الطبي في سجون الاحتلال، والذي يشكل انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان الأساسية، ويتنافى مع المعايير والقوانين الدولية الخاصة بحماية حقوق الأسرى.