فلسطين أون لاين

مأساة على أطراف جنين

تقرير قناص إسرائيلي ينهي حلم مجدي عرعراوي بدراسة هندسة السيارات الكهربائية

...
غزة/ يحيى اليعقوبي:

تحوّل بيت الطالب مجدي عرعراوي (17 عامًا)، إلى ساحة مشحونة بالحزن والأسى. صورته على مدخل بيت العزاء تبكي فراقه. توافد زملاء الدراسة والجيران والأقرباء ليتقاسموا أحزان والدته وعائلته، فقد تحوّلت فرحة النجاح المرتقبة في الثانوية العامة، التي كانت على وشك أن تضيء أيامهم قريبًا، إلى رحيل مفجع.

مع بدء العدوان الإسرائيلي على جنين، وجد مجدي نفسه مضطرًا لترك منزله في "حارة الدمج"، لينضم إلى صفوف الفتية والشبان الذين خرجوا لمراقبة الأحداث المتصاعدة في الخارج، لكن ما كان يبدو مجرد رصد للأحداث تحوّل إلى مأساة.

عندما اقتربت قناصة الاحتلال من أسطح العمارات السكنية المجاورة استشعر مجدي الخطر القادم، وبدأ في البحث عن ملاذ آمن في إحدى الزوايا البعيدة. ومع ذلك، لم يستطع البقاء مكتوف اليدين عندما أصابت رصاصة قناصة زميلَه علي الغول (17 عامًا).

بجهودٍ جبارة حاول مجدي سحبه وتقديم الإسعافات الأولية، ولكن القناص لم يتردد في إطلاق ثلاث رصاصات إضافية، اخترقت إحداها صدره وأخرى رقبته وثالثة فخذه، وسقط مجدي إلى جانب زميله، تحت إحدى المركبات، وتشكلت تحتهما بركة من الدماء.

على مدار نصف ساعة منعت قناصة الاحتلال أي محاولة من طواقم الإسعاف للوصول للمنطقة المتأثرة، لم يتردد كمال، ابن عم مجدي، في الاندفاع من وراء المركبات لمحاولة إسعاف ابن عمه المصاب. خلع قميصه ورمي طرفه قرب مجدي الذي كان ينزف في بركة من الدم على الأرض، طالبًا منه أن يمسك بالطرف ليستطيع سحبه.

لكن بمجرد أن ظهر رأس كمال من وراء السيارة، تعرض لإصابة مروعة برصاصة قناص اخترقت عينه. بقي ينزف بضع دقائق قبل أن يتمكن الإسعاف الفلسطيني من نقلهما إلى المستشفى. استشهد مجدي وعلي بسبب إصاباتهما البالغة، في حين أُصيب كمال بحالة خطرة يتلقى العلاج في مستشفى رفيديا بنابلس.

حلم لم يكتمل

في يوم 28 من حزيران/ يونيو، ألقى مجدي حملا ثقيلا وراء ظهره بعد عام من الدراسة والمذاكرة المكثفة، تخللها سهر وتعب، وجد نفسه واقفاً على أعتاب الحلم المنشود والأمل بتحقيق طموحه. كان يعد والدته بأن يجلب معه فرحة التفوق إلى بيتهم، بعد أن فارق والده الحياة بسبب مرض السرطان. ولم تكن تعلم والدته أنه سيحمل الشهادة قبل الإعلان الرسمي عن النتائج، ما أضاف جرحاً جديداً إلى قلبها المنكسر.

"كنت أدرّس مجدي المواد العلمية مثل الفيزياء والرياضيات في الشهر الأخير قبل بدء الامتحانات. لاحظت فيه الإبداع والذكاء الكبيرين، ورأيت حماسه واجتهاده الكبير للحصول على درجات متميزة ومنحة جامعية تعفي والدته من دفع رسوم الجامعة"، يتكلم المهندس سامر عرعراوي، ابن عم الشهيد، بصوت كله حزن وألم، مشاركًا حديثه مع صحيفة "فلسطين".

بصوت ينبض بحسرة الفقد يستعيد سامر عرعراوي ذكرى مؤلمة من آخر أيام حياة ابن عمه: "قبل أسبوعين، بدأنا العمل معًا، أنا وشقيقه الأكبر محمد (28 عامًا). كانت هناك فرحة كبيرة في قلبه وفي قلبي، حينما قال لي محمد بابتسامة: الآن ستساعدني في رعاية أمي وإخوتي. وكان ذلك مصدر سعادة عميقة لنا".

مجدي، لكونه الأصغر بين إخوته وأصغر أبناء العائلة التي احتضنته بعد فقدانه والده وهو بعمر 11 عامًا، كان محط اهتمام ومحبة العائلة. كانوا يخططون لإقامة احتفالية فرح كبيرة بمناسبة حصوله على نتائج الامتحانات، ولكن إجرام جيش الاحتلال غيَّر المسار. وبينما يتحدث يملأ صوته الحسرة والأسى: "كان الجميع ينتظر النتيجة بفارغ الصبر للاحتفال به".

كان مجدي يقضي حوالي عشر ساعات يوميًا في الدراسة، وقليلاً ما يخرج من المنزل، وكل هذا بهدف الحصول على معدل مرتفع يؤهله للحصول على منحة جامعية. يدرك أوضاع عائلته المعيشية، وكان يأمل أن يتمكن من الالتحاق بتخصص هندسة السيارات الكهربائية الذي يحلم به.

"ما راح أخليكِ تدفعي ولا شيقل عليّ"، بهذه العبارة كان مجدي يخفف عن قلب والدته ويوجه لها بشرى سارة. ومن نافذة الذاكرة، يتبادر إلى ذهن سامر عرعراوي حواره مع الشهيد، حيث سأله عن توقعه لنتيجته، فأجاب بتفاؤل قائلاً: "ربما يكون نسبة 94%".

وبفضل طيبته وحسن خلقه ومحافظته على الصلاة، استطاع مجدي أن يكسب حب عائلته وتقديرها. لم يره ابن عمه إلا وهو جالس بين الكتب المدرسية في جدران منزله، وبعد وفاة والده، كان دائمًا يقوم بزيارة قبره ليعبر عن اشتياقه.

حمل الشهيد قلبًا "حنونًا على أمه وشقيقتيه"، وكان يبدي اهتمامًا كبيرًا بعائلته. قبل شهرين، فاجأ شقيقته "ساجدة" في عيد ميلادها. يروي سامر عرعرواي الذي شهد هذه المفاجأة: "في ذلك اليوم، عبّرت ساجدة مزاحًا عن استيائها لعدم الاحتفال بيوم ميلادها وتذكر عائلتها لها. فقام مجدي بفتح باب البراد وأخرج قالب الجاتوه وبعض الأغراض التي أعدها وخطط لها، ورسم الابتسامة والسعادة على وجهها".

ثلاثة طلاب شهداء

ويعد الشهيد عرعراوي أحد ثلاثة طلاب ارتقوا على يد قوات جيش الاحتلال خلال العدوان على مخيم جنين، إضافة إلى الشهيدين الطالبين: عبد الرحمن حسن صعابنة من مدرسة ذكور فحمة الثانوية، ومصطفى قاسم من مدرسة ذكور فرحات الثانوية.

وفيما يتعلق بالطالب مصطفى قاسم، فقد أطلق عليه النار قناص إسرائيلي عندما لم يكن يبتعد عن منزله سوى بضعة أمتار. وبعد ذلك، اقتربت دورية عسكرية منه وأطلقت عليه العديد من الرصاصات تجاوزت العشر، واحتجز الجنود جثمانه قبل أن يتم تسليمه لعائلته عبر الهلال الأحمر الفلسطيني، حيث كان قد فارق الحياة.

كان عابرًا للطريق، ثم أطلقوا النار عليه بالقرب من منزلنا. كان من الصعب علينا التحرك في ظل انتشار القناصة ودوريات جيش الاحتلال. المشهد كان صعبًا جدًا، ربما لم نعش مثله منذ عام 2002"، بهذه الكلمات، يروي عمه تفاصيل الحادث لصحيفة "فلسطين"، وفي الخلف يصاحبه صوت المعزين.

ويتابع أبو زيد قاسم، وفي صوته غضبٌ متَّقد: "إنه طفل صغير وطالب في الصف الحادي عشر، كانت لديه آمال وأحلام لمواصلة حياته مثل بقية الشباب والفتيان، ولكنهم لم يتركوا له هذه الفرصة، فما هو ذنبه حتى يتعرض للإعدام؟".

يستعرض قاسم لحظة خروجه من المنزل وهو يواصل بصوت ترافقه الدموع: "في جنين يخرج الجميع، الكبير والصغير، لمواجهة قوات الاحتلال، وهؤلاء الشباب الصغار، لا يمكن إبقاؤهم في البيت، فهم مثل الناس قادهم الفضول لمشاهدة ما يحدث في الخارج".

المصدر / فلسطين أون لاين