عندما شنَّ جيش الاحتلال الإسرائيلي عدوانه العسكري على غزة صيف 2014، لم يتوقع حينها أن تخوض كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس ومعها فصائل المقاومة معركة تمتد لـ51 يومًا.
ونتيجة تصاعد جرائم الاحتلال قررت القسام حينها خوض المعركة وأطلقت عليها اسم "العصف المأكول" في 7 يوليو/ تموز2014، بعد إقدام مستوطنين يهود على اختطاف الطفل المقدسي محمد أبو خضير وحرقه حتى الموت، وقصف جيش الاحتلال نفقًا للمقاومة في مدينة رفح، جنوبي قطاع غزة.
وتخلل تلك المعركة الكشف عن أسلحة نوعية للقسام، وتنفيذ عمليات آلمت قوات الجيش المتمركزة خلف السياج الفاصل لشمال قطاع غزة وشرقه أيضًا.
عمليات بحرية برية
ففي اليوم الثاني للمعركة نفذت قوة "كوماندوز" بحري تابعة للقسام استطاعت التسلل عبر البحر، عملية اقتحام لقاعدة "زيكيم" العسكرية ورافقها هجوم على قاعدة سلاح بحرية الاحتلال داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ نكبة 1948.
وشارك في تنفيذ العملية أربعة من عناصر نخبة القسام وقد "أوقعوا خسائر محققة في صفوف جيش الاحتلال حسب تأكيد قائد المجموعة في اتصال مع القيادة"، وفق ما نشرته القسام على موقعها الرسمي.
وقد أظهر فيديو مسرب للعملية من داخل مكان التنفيذ؛ تمكن عناصر القسام من ملاحقة دبابة لجيش الاحتلال وتفجير إحداها من مسافة صفر، وقد استشهد منفذو العملية بعد قصفهم في أثناء محاولتهم الانسحاب من الموقع.
وبحلول فجر الـ 17 من يوليو 2014 نفذت القسام عملية جديدة في موقع "صوفا" العسكري شرق محافظة رفح جنوبي قطاع غزة.
ووفق ما نشرته القسام فإن قوتها المهاجمة استطاعت التسلل عبر نفق أرضي خلف خطوط جيش الاحتلال، وتنفيذ عملية استطلاع لأماكن تمركز القوات البرية في المنطقة، وقوامها وعددها كجزء من عملية الاستعداد للحرب البرية، إضافة إلى نسف وتخريب إحدى المنظومات الاستخبارية التي وضعها الجيش لرصد محيط منطقة السياج الفاصل.
وفي 19 يوليو من ذات العام، نفذت القسام عملية تسلل خلف خطوط جيش الاحتلال عبر نفق أُعد مسبقًا، يصل إلى منطقة "الأحراش" خلف ما يعرف بموقع "أبو مطيبق" العسكري والذي يعد موقعًا للاستطلاع.
وتقول القسام: إن "عناصرها أعدوا كمينًا محكمًا قتلوا خلاله 8 من جنود الاحتلال، وغنموا قطعتي سلاح من نوع "M16" وتحمل البندقية الأولى الرقم (9411130) في حين تحمل البندقية الثانية الرقم (9410759)".
ويوم 20 يوليو 2014 نفذت القسام عملية تسلل جديدة عبر نفق خلف خطوط الجيش استهدفت ما يعرف بـ"موقع 16" العسكري شرق بيت حانون، شمالي قطاع غزة.
وبالرغم من إنكار جيش الاحتلال خسائره طيلة السنوات الماضية، إلا أنه اعترف حديثًا بمقتل 4 من جنوده وضباطه في تلك العملية التي استشهد خلالها 10 من جند القسام.
وفي تاريخ 28 يوليو 2014، تمكن تشكيلٌ قتاليٌ من القسام عدده 9 من مقاتلي النخبة، من تنفيذ عملية تسلل عبر نفق يؤدي إلى خلف خطوط جيش الاحتلال المتمركزة في موقع "ناحل عوز" المحصن شرق غزة.
وكان في الموقع عند اقتحام عناصر القسام له عدد من جنود جيش الاحتلال، استطاع جنود القسام الإجهاز عليهم جميعًا، وقد حاولوا أسر أحد الجنود ولكن ظروف الميدان لم تسمح بذلك.
وأعلنت القسام حينها تمكن عناصرها من قتل 10 جنودٍ واغتنام قطعة سلاح من نوع "Tavor" قصير، وهو سلاح جنود النخبة في جيش الاحتلال.
أسر جنود
واستطاعت كتائب القسام أيضًا تنفيذ عمليات أسر جنود في أثناء معركة العصف المأكول مستفيدةً من توغل آليات جيش الاحتلال برًا في أكثر من منطقة بقطاع غزة.
اقرأ المزيد: كتائب القسام تكشف تفاصيل كمين محكم لأسر جنود إسرائيليّين
وفي اليوم الـ 14 للمعركة وتحديدًا في 20 يوليو 2014، أعلن أبو عبيدة المتحدث باسم كتائب القسام عن تمكن الأخيرة من أسر الجندي شاؤول آرون، خلال اشتباكات عنيفة خاضها جند القسام شرق حي التفاح شرقي مدينة غزة، إذ كان جيش الاحتلال قد نفذ توغلًا بريًا بمشاركة آلياته العسكرية المختلفة.
وأعلن أبو عبيدة حينها؛ أن جيش الاحتلال لم يعترف باختفاء أحد جنوده وهو شاؤول آرون، صاحب الرقم "6092065" بعد هجوم القسام على الآليات التي دمرتها شرق التفاح.
كما أسرت القسام في مدينة رفح الضابط في جيش الاحتلال هدار غولدن، وهو يحمل رتبة ملازم ثانِ في لواء "جفعاتي" في عملية نفذتها يوم 1 أغسطس/ آب 2014 بعد معركة شديدة خاضتها في التصدي لقوات الاحتلال المتوغلة بعمق 2 كيلومتر شرق رفح.
صناعات القسام
وكشفت القسام في المعركة عن أسلحة جديدة منها طائرات مسيرة عن بعد بإمكانها تنفيذ مهام عسكرية تفجيرية واستطلاعية أيضًا، ومنها طائرة "الأبابيل"، وأعلنت القسام أن هذا النموذج من الطائرة نفذ عملية مهمة ناجحة فوق مبنى وزارة جيش الاحتلال "الكرياه" بمدينة "تل أبيب" في 2014.
واستطاع مهندسو القسام إنتاج 3 نماذج من هذه الطائرة، قادرة على تنفيذ مهام استطلاعية وهجومية وانتحارية.
وأيضًا كشفت القسام عن صواريخ جديدة من صناعتها، وهي "S55"، وكذلك صاروخ "J80" نسبة إلى القيادي العسكري البارز أحمد الجعبري الذي اغتاله الاحتلال في غارة جوية على غزة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2011.
وكذلك استخدمت القسام لأول مرة صاروخ "R160" نسبة إلى قائد حركة حماس الشهيد عبد العزيز الرنتيسي، ويصل مداه إلى 160 كيلومتر داخل الأراضي المحتلة.
ومن الصناعات العسكرية التي كشفت عنها القسام بندقية القنص "غول"، واستخدمتها في التصدي لقوات جيش الاحتلال خلال عدوانه على غزة.
وعدَّ المختص في الشؤون الأمنية والعسكرية هشام المغاري، معركة العصف المأكول بأنها فاصلة ضد الاحتلال، وقد أصبح ما قبلها ليس كما بعدها.
وأضاف المغاري لـ"فلسطين"، أن امتداد المعركة لأكثر من 50 يومًا أمر لم تشهده فصائل المقاومة حتى أن الجيوش العربية النظامية لم تخض مثل هذا النوع من المعارك.
وتابع المغاري: أن العنف والجبروت الذي مارسه الاحتلال كان بوتيرة عالية في 2014، لكن المقاومة استطاعت التعامل مع هذا الإجرام بطريقة تثبت قدرتها على التحدي والصمود، وقد استطاعت تنفيذ مجموعة عمليات نوعية ومنها التسلل خلف الخطوط، وأسر الجنود، واستخدام الطائرات، والصواريخ بعيدة المدى، وهذا ما لم يتحقق في معارك خاضتها جيوش عربية ضد جيش الاحتلال.
وأشار إلى أن المعركة أثبتت ضعف توفر المعلومات لدى جيش الاحتلال حول قدرات المقاومة، وعدم قدرته على تقدير الموقف جيدًا وهو لم ينجح في تحقيق أي من أهدافه التي شنَّ العدوان لأجلها، وخاصة القضاء على منظومات الصواريخ لدى المقاومة وتدمير بنيتها التحتية.