ما زالت والدة الشهيد الصحفي سامح العريان تنتظر إحقاق حقوق قانونية وإنسانية تضمن توفير سبل الحياة الكريمة لأحفادها الثلاثة الصغار بعدما رحل والدهم، وفي الوقت نفسه تحاسب الاحتلال الإسرائيلي على جريمته التي ارتكبها بحق ابنها البكر.
واستشهد العريان بقذيفة استهدفته أثناء تصويره لأحداث مجزرة إسرائيلية وقعت في حي الشجاعية، شرقي غزة، خلال الحرب الأخيرة على القطاع، صيف عام 2014، التي شهدت كذلك استشهاد 17 صحفيا، وسائق وكالة أنباء في استهدافات مباشرة وغير مباشرة وإصابة 28 صحفيا وصحفية بإصابات مختلفة.
وتحدثت "أم سامح" عن الظروف الحياتية الصعبة التي عايشتها العائلة بعد رحيل المعيل الأساسي لهم، قائلة لصحيفة "فلسطين": "منذ استشهاد سامح قبل حوالي ثلاث سنوات لم تتواصل معنا أي جهة نقابية تتكفل بتوفير دعم مالي أو حقوقي لنا كعائلة الشهيد الذي عمل لسنوات طويلة في الحقل الإعلامي".
وأضافت أم سامح: "استشهد سامح أثناء تأديته واجبه الإعلامي الرسمي وهو يرتدي البدلة التي تشير إلى طبيعة عمله، إلا أن الاحتلال كعادته لا يميز بين أحد فاستهدفه بشكل مباشر، وبمقابل ذلك تنكرت نقابة الصحفيين الفلسطينيين لنا، بينما التزمت فضائية الأقصى بدفع راتب شهري لعائلة سامح".
ولا تختلف ظروف المعاناة التي تعيشها عائلة الشهيد المصور رامي ريان عن سابقتها، حيث أوضحت أرملة الشهيد "أم فتحي" أن العائلة اعتصمت خلال الفترة القليلة الماضية أمام مؤسسة رعاية أهالي الشهداء والجرحى من أجل توفير راتب شهري لأربعة أطفال تركهم رامي بعد استشهاده أواخر شهر يوليو/تموز 2014 دون جدوى.
وقالت أم فتحي لصحيفة "فلسطين": "خلال السنة الأولى لاستشهاد زوجي التزمت مؤسسة إعلامية بدفع منحة مالية لا تتجاوز الـ 200دولار، ولكنها أوقفتها دون أي مقدمات، وكذلك توقفت الكفالات المالية التي كانت تصل للأطفال، بينما سمعنا مجرد أحاديث من نقابة الصحفيين متعلقة بإجراءات مقاضاة الاحتلال".
ووسط ضياع حقوق الشهيد ريان، فإن أرملته تعبر عن أملها بتوفير مصدر مالي شهري يضمن توفير متطلبات الحياة الكريمة لأطفالها الأربعة، إلى جانب عمل الجهات المختصة المحلية والدولية على سن قوانين واضحة تضمن حقوق الصحفيين سواء في حياتهم أو بعد استشهادهم.
الانقسام حجر عثرة
الباحث الحقوقي في المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، محمد صيام أشار إلى أن الواقع الحقوقي للصحفيين الفلسطينيين شهد تراجعا واضحا خلال العشر سنوات الماضية بالتوازي مع زيادة وتيرة الانتهاكات التي تتعرض لها الطواقم والمؤسسات الإعلامية في قطاع غزة والضفة الغربية، مرجعا السبب إلى الانقسام السياسي.
وقال صيام لصحيفة "فلسطين" كان للانقسام التأثير الأكبر على حرية ممارسة الصحفيين لعملهم ودورهم في تغطية الأحداث من جهة، ومن الجانب الآخر تسبب الانقسام في غياب جسم نقابي إعلامي واحد يدافع عن حقوق الصحفيين سواء في حياتهم أو بعد وفاتهم، دون النظر لأي اعتبارات سياسية أو حزبية".
وحول صعيد الاتفاقيات الدولية التي كفلت للصحفيين حقوقهم، أضاف: "جاءت العديد من القوانين في عدة مواثيق دولية، التي نصت صراحة على ضرورة إعطاء الحرية الكاملة للصحفيين لممارسة عملهم وإعطائهم كافة الحقوق التي يجب أن يتمتعوا بها من أجل ضمان استمرار عملهم على الوجه الذي كفلته تلك النصوص".
وتاب: أكد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وفي المادة 19 منه على أن "لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار، وتلقيها وإذاعتها بأي وسيلة كانت، دون تقيّد بالحدود والجغرافيا".
وبين صيام أن مهمة تعزيز الواقع الحقوقي للصحفيين تقع على عاتق السلطات في الضفة وغزة، من خلال احترام القواعد القانونية الدولية والمواثيق والمعاهدات التي انضمت إليها فلسطين، موضحا أن" المجلس التشريعي مطالب بإقرار قانون يكفل لهؤلاء الصحفيين حقوقهم ولكن حالة الانقسام الداخلي قد تكون حجر عثرة أمام الإقرار أولا والتطبيق ثانيا".
حقوق ضائعة
بدوره، قال رئيس كتلة الصحفي الفلسطيني، إبراهيم ظاهر إن حقوق العاملين في الحقل الإعلامي "ضائعة" في ظل عدم أداء نقابة الصحفيين لدورها المنوط بها، وعدم اهتمام المؤسسات الحقوقية بحقوق الصحفيين.
وأضاف ظاهر لصحيفة "فلسطين": "لا يوجد لأي صحفي فلسطيني حصانة سواء في حال تعرضه لاستهداف مباشر أو إصابة أو اعتقال، ففي حال استشهاده تصبح عائلته بلا معيل إلا إذا أدرجت في سجلات الشؤون الاجتماعية، وذات الحال ينطبق على الجرحى".
وتابع ظاهر: "لوحظ أن بعض المؤسسات التي كان يعمل الشهداء لصالحها، غير مرخصة لدى الجهات الرسمية، وعلى إثر ذلك تخلت عن حقوق الصحفيين الذين استشهدوا خلال الحرب الأخيرة ولم تتبن قضاياهم وتهربت من دفع مخصصات لعائلاتهم".
وأشار رئيس كتلة الصحفي الفلسطيني إلى أن الواقع الإعلامي الحقوقي يستلزم تفعيل نقابة الصحفيين إلى جانب إنشاء صندوق ضمان اجتماعي للصحفيين مع تشكيل لجنة قانونية تحاسب الاحتلال على انتهاكاته المتعددة بحق الصحفيين.
وأكدت العديد من المواثيق الدولية على عدم استهداف الصحفيين وتوفير كافة سبل الحماية لهم، كالمادة 79 من البروتوكول الإضافي الملحق باتفاقية جنيف 1949، والتي نصت على أن الصحفيين المدنيين الذين يؤدون مهماتهم في مناطق النزاعات المسلحة.